يعيش أبناء الجنوب على وقعِ أزمة استجدّت مع بدء عمليّة "طوفان الأقصى" والحرب المدمّرة الّتي تقودها اسرائيل على غزّة. وكأنّه كُتِبَ على اللبنانيين أن يُنْقَعوا في حُلَلِ فساد أهل السلطة وما أوصلوا البلد اليه من افلاس، وعلى حدّ السيف الاسرائيلي الأكثر دمويّة في تاريخه. فاللبنانيون أصبحوا يعيشون على قاعدة "كل يوم بيومه" وهم لا يدركون ماذا ينتظرهم في اليوم التالي في مختلف المناطق اللبنانية، فهم متأثّرون بالحرب على غزّة، ولكن أبناء الجنوب خصوصًا "ذاقوا اللوعة" من السلطة اللبنانية المُهمِلة والاسرائيلية على حدّ سواء، ومصالحهم ومواسمهم الزراعيّة "طارت" وهم لا يدركون الى متى يستطيعون الاستمرار تحت شظف العيش وعدم مبالاة السلطة.

من بعيد يعيش اللبناني على أمل ألاّ تمتدّ الحرب الى لبنان لأنّ أحداً غير قادر على إحتمالها في ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة والماليّة الصعبة، لكن أبناء الجنوب يعيشون اليوم حرب استنزاف، خصوصاً أبناء القرى الحدوديّة التي هُجّر أكثر من 60% من أبنائها الأمر الّذي فاق التوقعات مع المقارنة بما جرى في حرب تموز 2006.

معاناة الأهالي

أبعد من ذلك ينتظر أبناء الجنوب هذا الفصل من العام لقطاف الزيتون حيث يخصّص بجزء منه للاستعمال الشخصي ويُباع ما يتبقى. هنا يشرح أحد أبناء الجنوب س. ع. الذي يملك أراض زراعية لـ"النشرة" الى أن "الاسرائيلي يقوم بقصف أسلحة حارقة لكشف الأرض، ورميش حدودها مع فلسطين المحتلة واسعة وفيها كميات كبيرة من الزيتون".

ويلفت الى وجود "كروم زيتون بين رميش وعين إبل تدعى "جبل المعتّق" مساحتها تقارب ما بين 40 الى 50 ألف متر"، مشيراً الى أن "هذه المناطق هي خارج البلدة والناس خائفة من الذهاب اليها لقطاف الموسم"، مضيفاً: "حصلت محاولات للحديث مع اليونيفيل والجيش اللبناني لاحتمال مواكبة الناس للقطاف لكن لم تأتِ الموافقة على ذلك"، مختصراً القول انّ "الفوفسفور ينتشر في كلّ مكان ولكن نأمل مع أي هطول الامطار بتنظيف المحاصيل".

"كروم" بعيدة المنال

مختار بلدة رميش ايلي شوفاني يتحدث عبر "النشرة" عن معاناة أبناء البلدة بالاجمال ولناحية قطف المحاصيل تحديداً، شارحاً عن "أراضٍ وكروم في منطقة سموخيا، قطمون، الرندي وهرمون" من غير المُستطاع الوصول اليها، لافتاً الى أن "الكرم في "قطمون" يقع بجانب نقطة لشباب الاخضر بلا حدود وتم قصف الاراضي هناك بالفوسفور، أما الكروم الأخرى لجهة الحدود في منطقة "الرندي" هناك صعوبة بالغة في الوصول إليها، بالمختصر هناك 40% من موسم الزيتون في رميش أصحابه لا يستطيعون الوصول اليه".

القطاف المُبكر أنقذ الموسم

لم تلقَ دير ميماس النصيب "المرّ" الذي لاقته رميش، والسبب يعود حسب رئيس البلدية جورج نكد الى أنه "وفي العادة كنّا ننتظر موسم الشتاء، وبما أن الموسم لم يحمل الكثير هذه السنة ولأن الأمطار هطلت لجأنا الى القطاف باكراً"، شارحًا أن "حوالي 70% من المحصول تمّ قطفه وما تبقى لم يعد أصحابه يتجرأون على الذهاب الى الأراضي لصعوبة الأوضاع وخطورتها".

الدولة الغائبة عن الوعي

يعود كاهن رعية مار جرجس رميش الاب طوني الياس ليشدّد أن "أكثر من 40% من سكان البلدة نزحوا الى بلدات أخرى، بينما المحصول الزراعي بأغلبه إمّا تلف نتيجة القصف أو أن أصحابه لم ولن يتمكنوا من الوصول اليه"، لافتا الى أننا "نتكل على المساعدات التي تأتينا وهي بأغلبها غذائيّة"، مؤكّدا أن "كل ما يحصل هو في غياب الدولة، وحده وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار تفقّد البلدة". هذا ما يشدّد عليه مختار رميش، لافتا الى أنه "لم يتحدّث أحد معنا من المسؤولين، لا من الهيئة العليا للاغاثة أو أيّ جهة أخرى"، مشيراً الى أننا "عندما بادرنا نحن بالسؤال أتانا الجواب "بس تخلص الحرب".

الأكيد أن سكان القرى الجنوبيّة يعانون والحرب الدائرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين منذ قرابة شهر أثرت عليهم بشكل مباشر، هجرت جزءًا كبيرا من قراهم وقضت على كلّ المحاصيل الزراعية وتحديدا موسم الزيتون إما لصعوبة الوصول الى الكروم أو بسبب إستعمال اسرائيل لمادة الفوسفور السامّة... وللأسف هؤلاء متروكون لمصيرهم فحتّى الدولة لم تكلّف نفسها عناء السؤال عنهم، اضافة الى أنّ هيئات الاغاثة الأمميّة الّتي لم تترك النازح السوري ما قبل الأزمة وخلالها ومن المؤكّد أنّها لن تتركهم بعد الحرب، تتغاضى وتتعامى عن مصير اللبنانيين العالقين في الجنوب اللبناني، لأنّهم مجموعة من العصابات تحت مسمّيات أمميّة تسعى الى استبدال اللبنانيين بالغرباء بتواطؤ مع السلطات السياسيّة اللبنانية.