كثيرون في لبنان وخارجه يعتقدون ان حزب الله يغامر في مصير لبنان واللبنانيين، وانه يضعهم على كف عفريت، في المقابل، كثيرون آخرون يعتقدون العكس. ولكن، بغض النظر عن الانقسام في الآراء بين اللبنانيين انفسهم حول هذا الموضوع، فإن الثابت انه اقليمياً ودولياً، تجاهد اسرائيل وتحديداً رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، لجرّ المنطقة الى حرب شاملة منذ اليوم الاول للحرب الدائرة، وهو ما بدا واضحاً، فيما تعمل واشنطن على احتواء الموضوع بكل ما تملك من قوة.
هذه المعضلة بدأت تتفاقم وكادت منذ يومين ان تشعل فتيل الفلتان العسكري في المنطقة، حيث اكّدت معلومات مستقاة من مصادر متابعة وعليمة، ان الحرب كانت قاب قوسين من الاندلاع، عبر حزب الله على الخط وفتح الجبهة الجنوبية اللبنانية على مصراعيها، غير ان النشاط الدبلوماسي الاميركي الناشط اعاد الامور الى نصابها، واثمرت الضغوط الهائلة التي مورست في وقت قصير جداً على نتانياهو في العودة الى قواعد الاشتباك الجديدة، فيما تولّت قطر ومصر التواصل مع طهران لضمان التزام حزب الله بالخطوط العريضة الموضوعة والكفيلة بابقاء الامور ضمن السيطرة نسبيا. هذا ما حصل منذ يومين تحديداً بعد ان كانت اسرائيل عازمة على فتح الجبهة الشماليّة، وقد اخلت المستوطنات المواجهة لجنوب لبنان بشكل كلّي ولم تطلب من المستوطنين كالعادة التزام الملاجئ او المنازل، خصوصاً بعد ارتفاع نسبة الهجمات من لبنان بشكل غير مسبوق في يوم واحد، واستنفر الحزب في المقابل وكانت الاجواء تشير الى اقتراب ساعة فتح الجبهة، غير انه كان للاميركيين رأي آخر، ونجحوا في لجم الاسرائيليين، وتم تسريب التحذير الذي ابلغه وزير الدفاع الاميركي لويد اوستن لوزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت من وجوب عدم التصعيد على الجبهة اللبنانية. وبعد نجاح المساعي، تم نقل النتيجة الى ايران والحزب، فكان بعدها الطلب الى المستوطنين معاودة حياتهم اليومية.
ولكن الاجواء لا تزال متقلبة، وذلك لان نتانياهو ومعه غالانت مقتنعان تماماً بأن جرّ المنطقة الى حرب شاملة، هو الخلاص الوحيد لهما، وعامل الوقت لا يجري في صالحهما، وهو ما كشفه وزير الخارجية ايلي كوهين حين قال انه لا يزال امام اسرائيل فترة اسبوعين الى ثلاثة اسابيع كحدّ اقصى قبل تزايد الضغوط، وما عناه فعلياً هو ان نافذة "غضّ النظر" ستقفل خلال هذه الفترة، وان آلاف الفلسطينيين الذين سقطوا في غزة بدأوا يفعلون فعلهم في الرأي العام، حتى انّ الادارة الاميركية اعترفت عبر وزير الخارجية انطوني بلينكن بوجود انقسام في طريقة التعاطي مع هذا الملف والتأييد المطلق لاسرائيل. ويدافع مؤيدو الادارة الاميركية الحالية عن موقفهم، بالقول انها الطريقة الوحيدة لابقاء السيطرة على المسؤولين الاسرائيليين، وان أي ابتعاد عن الموقف الحالي قد يؤدي الى جنون كلّي يوقع الجميع في حفرة عميقة. وما تراه واشنطن، هي الرؤية نفسها التي يراها الاسرائيليون، وهي سوداويّة لانها تعود بالخسائر على الجميع بمن فيهم اسرائيل التي ستعاني حتماً من وضع غير مسبوق، فيما سيلحق دمار بلبنان حتماً بفعل التفوّق الجوي الذي سيكون موجعاً حتى من دون تحقيق مكاسب ميدانيّة، ناهيك عن "الكارثة" التي ستلحق بالاميركيين الذين سيجدون انفسهم وسط حرب لا رغبة لهم في خوضها على كل الصعد، وعلى ابواب موسم انتخابي دقيق.
وسط كل ذلك، من الطبيعي ان يتزايد الترهيب النفسي والاعلامي، وان يلقي كل طرف بكل ادواته في هذا المجال، ولكن الخوف الحقيقي يبقى في ما هو غير متوقع، لجهة انزلاق اي جهة في تقدير خاطئ للحسابات، وعندها لن ينفع الندم، فالجميع يسير في حقل الغام ولو ان نهايته باتت في المدى المنظور، غير ان هذا لا يعني ان خطورته قد زالت.