باعتراف الجميع، وحتى الاميركيين، باتت مسألة الحرب الشاملة في المنطقة في يد المسؤولين ال​إسرائيل​يين وحدهم، ولم تعد حتى في يد ​الولايات المتحدة​ و​ايران​ و"​حزب الله​"، وبينما كان الخوف والقلق من "تمادي" حزب الله في ردّه على الحرب الإسرائيلية على غزّة، اصبحت الامور مرهونة برعونة وجنون الاسرائيليين الذين باتوا متمسكين بتحقيق مكسب حقيقي ينقذهم من ورطتهم ومن الأهداف الكبيرة التي وضعوها والتي باتوا على قناعة بأنها لن تتحقق، فخفّفوا منها بعض الشيء وبدّلوا من هدف القضاء على حماس الى منعها من السيطرة على غزة وعودة جميع الاسرى، وعدم الرغبة في السيطرة على غزة، بل ضمان عدم شن هجمات منها على المستوطنين او الإسرائيليين بشكل عام.

اليوم في حسابات الربح والخسارة، (واذا ما تركنا جانباً الخسائر الاقتصادية والمالية والسياسية والنفطية...)، وحده رئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ وبعض وزرائه يرون في جرّ الجميع الى حرب شاملة، ربحاً لانهم يدركون ان مصيرهم معلّق بهذه الحرب التي يراهنون على انها ستبعد المقصلة عن رؤوسهم بعد امتعاض الخارج والداخل منهم. الاميركيون هم الأكثر حرجاً في هذا الامر، فالادارة الأميركية تعلم علم اليقين أنّ أي تقصير في دعم إسرائيل سيكون بمثابة خسارة دعم سياسي كبير لها في الداخل، وانه في المقابل اذا ما تركت الأمور على حالها سيكون البديل الدخول في حرب لا تريدها ولن يكون مشهد الجنود القتلى في اميركا مستحباً، وهو طبعاً لن يصب في خانة الحزب الديمقراطي الذي يتحضّر للدفاع عن منصب الرئاسة قبيل انتهاء ولاية الرئيس الحالي ​جو بايدن​.

على خط آخر، يدرك الأوروبيون انّ أيّ تفلت في الحرب وخصوصا عند الحدود الجنوبية ل​لبنان​، لن يقتصر على هذه البقعة الجغرافية وستكون تداعياته كبيرة جداً على الأوروبيين الذين سيعانون من نقمة داخل بلدانهم على وضع إسرائيل كل التعقل والدقة في التعاطي مع الأمور جانباً واللجوء الى سياسة التدمير والحرب.

اما المشكلة الكبرى فستكون لدى الإسرائيليين انفسهم، لانه قد يكون صحيحاً ان سلاح الجو قادر على الحاق الأذى البالغ باللبنانيين وتحويل واقعهم الى مآسٍ كبيرة، لكنه صحيح ايضاً ان المعادلات لم تعد كما كانت سابقاً. فالجبهة الداخلية الإسرائيلية لم تعد قادرة على تحمل المزيد، والاصوات تعلو يوماً بعد يوم مطالبة نتانياهو بالتنحّي، فيما الرأي العام العالمي بدأ بفتح عينه الأخرى التي لطالما اغلقها كرمى لعيون الإسرائيليين. وحتى مع حشد 100 الف جندي على الحدود الجنوبيّة للبنان، فالخوف الإسرائيلي هو ان يتمّ نقل المعركة الى الداخل كما حصل مع "حماس" مع فارق أساسي وهو ان حزب الله اكثر خبرة وخطورة من الحركة الفلسطينية، وافراغ المستعمرات من المستوطنين خير دليل على الخوف الكبير الذي يختلج الإسرائيليين من سيناريو تواجد الحزب في المقلب الآخر من الخطّ الأزرق، بحيث سيكون الإسرائيليون مجبرين على قصف أراضٍ وأماكن تابعة لهم، مع العلم انّ غالبية جنودهم سيكونون من الاحتياط الذين لا يملكون الخبرة الكافية للتعاطي مع حرب الشوارع المكلفة جداً. إضافة الى كل ذلك، كيف سيغفر الإسرائيليون لقيادتهم بمنع أيّ فرصة لاسترداد الاسرى عبر اعتماد الحرب الشاملة، وايّ تداعيات سيكون لها في المرحلة المقبلة؟.

كل هذه الأمور إضافة الى المسألة المكلفة للاوروبيين والأميركيين في تمويل الحرب ومدّ أوكرانيا وإسرائيل بالمساعدات اللازمة، مرهونة بمدى جنون المسؤولين في تل أبيب، فإذا اعتمدوا خيار التفلت من كل عقل، سيعيش العالم بأجمعه كابوساً كبيراً، ومن المؤكد ان النظرة الى إسرائيل ستتغيّر عندها، واذا نجحت اميركا في إعادة نتانياهو ومن معه الى رشدهم، من المتوقع الا يطول الوقت حتى التوصل الى صيغة مقبولة للهدنة.