تتعدّد زيارات الموفدين الدوليين الى لبنان في عز التفاوض الساخن الجاري بشأن قطاع غزة. واذا كانت كرّت الهدن وسط محاولات الوصول الى تسوية كبيرة، فإن قرار وقف الحرب في غزة لم يُتخذ في تل ابيب لعدة اعتبارات:
- يحاول رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو الايحاء لجمهوره بإمساك زمام المبادرات الميدانية والدبلوماسية والسياسية، لتفادي تداعيات مساءلته الآتية بسبب انتكاسة اسرائيل التاريخية جرّاء هجوم حركة حماس في السابع من تشرين الاول الماضي.
- تحسين شروط إسرائيل الاقليمية، ومحاولة فرض قواعد جديدة، بإعتبار أن الحرب حصلت وسط تضامن رسمي غربي مع تل ابيب، رغم تراجعه في الايام الماضية.
- يحاول الاسرائيليون فرض شرط ابعاد "مخاطر حماس" في كامل الاراضي الفلسطينية، لذلك تصب عمليات جنين في هذا الاطار والتي تستهدف فيها اسرائيل عناصر المقاومة الفلسطينية.
- يسعى نتانياهو لإبعاد قوات "حزب الله" العسكريّة من جنوب الليطاني، متذرعاً بالقرار الدولي ١٧٠١.
وانطلاقاً من هذا العنوان مارست تل ابيب ضغوطاً على الدول الغربية، وتحديداً الاميركيين والفرنسيين، وتواصلت مع القطريين ايضاً في ذات السياق، فحلّ الموفد القطري "ابو فهد" جاسم ال ثاني، ثم المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان في بيروت لتسويق طرح: تبريد جبهة الجنوب اللبناني.
فماذا يعني هذا العنوان؟.
رفع الاسرائيليون شعار إبعاد قوات "حزب الله" عن جنوب الليطاني، لكن الهدف المباشر هو اخراج الحزب نهائياً من اطار معركة غزة التي تبدو في حسابات تل ابيب مستمرة بعد انتهاء الهدن.
وبحسب المعلومات فإن صُلب الرسائل التي حملها الموفدون معهم الى لبنان قائمة على أساس تحييد جبهة لبنان، بينما اتى الحديث عن انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية هامشياً.
ماذا بعد؟.
ينطلق المعنيون في لبنان من واقعة ان اسرائيل عدوّ لا آمان له، سبق ومارس اعتداءات على لبنان بدءاً من مجازر بحق اللبنانيين في حولا عام ١٩٤٨، وتهجير العصابات الصهيونية لاهالي عدد من بلدات الجنوب الحدودية، واستمرت الاعتداءات في زمن "قوة لبنان في ضعفه"، وتمّ استهداف مطار بيروت والطائرات المدنية عام ١٩٦٨، والاجتياحات والمجازر بحق المدنيين التي كان افظعها في قانا عام ١٩٩٦ بإستهداف الاطفال والنساء في مركز قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة، وصولاً الى عدوان تموز ٢٠٠٦.
واذا كان الاسرائيليون يطرحون إبعاد الحزب المذكور عن منطقة جنوب الليطاني، فإنهم سبق وطالبوا بالعنوان نفسه سابقاً وفي كل المحطّات، لكن الفارق حالياً محاولتهم الاستفادة من اجواء حرب غزة. علماً ان ملاحظات لبنان جوهرية بشأن عدم التزام اسرائيل ايضاً بقرارات مجلس الامن والامم المتحدة.
وبحسب المعلومات فإن تل ابيب تحاول اقناع حلفاءها بفرضية: ماذا لو شنّ "حزب الله" هجوماً على مستوطنات الشمال، تكرارا لهجوم "حماس" في غلاف غزة؟ بينما يطرح لبنان سؤالاً معاكساً: ماذا يضمن عدم عدوانيّة اسرائيل وخرقها للسيادة اللبنانية، وهي لا تزال تحتل اراض لبنانية؟.
من جهة ثانية، يحاول الاميركيون فرض تسوية حدودية طرحها المبعوث آموس هوكشتين في تل ابيب خلال زيارته الاخيرة لها، قائمة على اساس تكرار تجربة ترسيم الحدود البحرية، لانسحابها على الحدود البريّة ايضاً، بما يضمن الالتزام بإتفاق ترعاه واشنطن، بمباركة ايرانية.
وبالانتظار، لا تزال الشروط والردود والرسائل قائمة وسط محاولة الاسرائيليين المضي بالضغوط الميدانية في غزة.
فلننتظر الايام المقبلة لتحديد المسارات.