يعيد الإعلان عن وفاة وزير الخارجية الأميركية السابق، في عهد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، هنري كيسنجر، عن مئة عام، الحديث عن دوره خلال الحرب اللبنانيّة، خصوصاً أنه ينظر إليه، من قبل الكثيرين، على أساس أنه صاحب مؤامرة كان الهدف منها القضاء على لبنان.
وكان نجم كيسنجر قد سطع، بعد حرب عام 1973، حين وصف بأنه "رجل السلام" الذي أفضت جهوده إلى توقيع معاهدة بين مصر وإسرائيل، بالتزامن مع جهود أخرى كان يقوم بها بإتجاه سوريا. أما بالنسبة إلى لبنان فإنّ الواقع كان مختلفاً، لا بل هناك من يؤكّد أن البلد كان ولا يزال يدفع ثمن أفكاره.
في هذا السياق، يشير الوزير السابق كريم بقرادوني، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن كيسنجر كان صاحب نظرية حول الشرق الأوسط، تعتبر أن هناك دولاً ضرورية وثابتة وأخرى غير ضرورية وغير ثابتة. ويوضح أنه بالنسبة إلى لبنان هو لم يتحدث عن أمر واضح بهذا الشأن، لكن هناك ما نُقل عنه بواسطة مترجم من أصل لبناني، يلفت إلى أنه خلال جولة له على المنطقة قرّر أن يزور لبنان، حيث حدّد له الرئيس السابق سليمان فرنجية موعداً، لكن قرّر أن تحط طائرته في مطار رياق، بسبب الوضع الأمني المحيط بمطار بيروت.
ويلفت بقرادوني، بحسب ما ينقل المترجم، إلى أنه لدى وصوله إلى المطار المذكور، أشار كيسنجر إلى أن من الغريب ألاّ تستطيع دولة إستقبال وزير خارجية الولايات المتحدة في عاصمتها، الأمر الذي فُسّر، من قبل الكثيرين، على أساس أنّه يعتبر لبنان من الدول التي يمكن الإستغناء عنها بحسب نظريّته.
ويوضح بقرادوني أنّ اللبنانيين، تحديداً المسيحيين، كانوا يتخوفون في ذلك الوقت من فكرتين: الأولى نظرية الوطن البديل، أما الثانية، كانت معلنة نوعاً ما، وهي توطين الفلسطينيين حيث يتواجدون. إلا أنه يفضل الحديث عن أن كيسنجر كان لديه مشروعاً لا مؤامرة، ونظرة تشمل كل المنطقة، ولا مانع أن يكون حلّ القضية الفلسطينية على حساب لبنان، بالرغم من أنّه أقدم كيان في المنطقة.
البحث في دور أو أفكار كيسنجر على المستوى اللبناني، لا سيما خلال فترة الحرب، يقود إلى أحد أهم الكتب التي تطرقت إلى هذه المسألة، أيّ "لبنان في استراتيجية كيسنجر مقاربة سياسية وجيو-استراتيجية" للدكتور نبيل خليفة، الصادر عن مركز بيلوس للدراسات والأبحاث في العام 1991، حيث يورد في بداية القسم الثالث، الذي يحمل إسم "لبنان في استراتيجية كيسنجر"، مقولة لوزير الخارجيّة الأميركية السابق هي "إن لبنان بلد مثالي لتحقيق المؤامرات، ليس ضدّه فقط، وإنما ضدّ كل العالم العربي أيضاً".
ويرى الدكتور خليفة، في كتابه، أن من الخطأ التصوّر أن كيسنجر وضع خطة (أو مخططاً أو مؤامرة) خاصة بلبنان وحده، على قاعدة أنّ هذا التصور يناقض استراتيجية رئيس الدبلوماسية الاميركية السابق والتي هي دائماً شمولية، ويشير إلى أن من الصواب التصور (والقول) إنه وضع استراتيجية معيّنة تؤمن مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وان لبنان لأسباب ذاتية (يهوديّة) وموضوعيّة (تركيبته الجغرافية-التاريخية-الثقافية) اختير كنقطة ساخنة.
في حديث لـ"النشرة"، يركز الدكتور خليفة على إعتبار كيسنجر بوجود دولٍ في منطقة الشرق الأوسط يمكن الإستغناء عنها، بهدف توطين الفلسطينيين، ويلفت إلى أن الوزير الأميركي كان يفهم لبنان من نظرة جيوسياسية، وبالتالي كونه دولة حاجز بين إسرائيل وسوريا. ويشير إلى أن الكثير من المفكرين، منذ ما قبل كيسنجر، صنفوا لبنان على أساس أنه دولة حاجز، إلا أنّ كيسنجر استغل هذا الواقع لطرح مخططه.
ويعتبر الدكتور خليفة إلى أن أهم ما كان يبحث عنه كيسنجر هو إراحة إسرائيل، ولبنان كان المدخل إلى ذلك، ويضيف: "كان ينظر إلى لبنان على أساس أنه وطن بديل للفلسطينيين".
وكان الدكتور خليفة قد أوضح هذه الرؤية في خلاصة كتابه، عبر الإشارة إلى أن كيسنجر، بناء على مفاهيم أميركية وإسرائيلية، وجد في لبنان إمكانية هائلة ليجعل منه وفيه وبواسطته: الأزمة البديل (عن الأزمة الفلسطينية)، الوطن البديل (عن الوطن الفلسطيني)، الحرب البديلة (عن الحرب العربية-الإسرائيلية)، والأرض البديلة (عن الأرض مقابل السلام).