تعيّد كنيستنا المقدّسة في الرابع من شهر كانون الأوّل لعيد القدّيسة العظيمة في الشهيدات بربارة التي من مدينة بعلبك. هي من القرن الرابع، والرواية التي تناقلتها الأجيال عنها تفيد بأنها كانت ابنة رجل وثني متعصّب ذي ثروة ومجد وجاه. اسمه ديوسفوروس. وإذ كانت بربارة جميلة الطلعة فقد غار عليها أبوها من العيون، فأقفل عليها في قصره وجعل لها كل ما تحتاج إليه وما يسلّيها. وإذ كان الله قد اصطفاها، فقد تحرّك قلبها إلى التأمل في الخليقة، إلى أن بلغت الخالق وأدركت خواء الأصنام وضلال عبادتها. وبتدبير من الله التقت بربارة من بشّرها بالمسيح فآمنت به ونذرت له بتولية نفسها، لكي لا تلهو عنه بعريس أرضي أو تُفرض عليها الوثنية فرضاً تحت ستر الزواج. فلما اكتشف أبوها أنها قد صارت مسيحية جنّ جنونه وأسلمها إلى مركيانوس الحاكم، الذي أمر بقتلها بعدما فشل في إرجاعها إلى الوثنية. وقد أبى والدها، بعدما امتلأ حماقة وغيظاً، إلاّ أن يكون هو نفسه جلّادها، فقطع رأسها بالسيف.
سيرة هذه القدّيسة والعادات التي ترافقها وابعادها، متوفّرة وبشكل دائم على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الكتب الكنسيّة، جلّ ما فعلته في هذه الأسطر، انعاش ذاكرة القارئ، بأبرز محطّات من سيرة هذه القدّيسة العظيمة، والتي باتت، بعد استشهادها، شفيعة الذين في الشدائد والأخطار.
ما أود الاضاءة عليه تحديدًا، أن هناك خلط بين التعييد للقديسة بربارة ومناسبة "الهالوين"، الذي هو احتفال وثني صرف، مفاده أن أرواح الموتى، في عشيّة "الهالوين"، تجوب الأرض ويجب استرضاؤها لكي لا تصنع شرًّا. تعود الممارسات الغامضة والغريبة فيه للشعب السلتي Celtic People الذي عاش في الجزر البريطانية. كان يُحتفل به كعيدٍ للرعب في بريطانيا والولايات المتّحدة الأميركيّة وبعض الدول التي تنحدر شعوبها من أصول وثقافة بريطانيّة، ومن هذه البلدان انتشرت التقاليد المتعلقة بـ"الهالوين"، من أشباح وسحرة وشعوذة وممارسات شاذّة أخرى. وبما أن الاحتفالات بـ"هالوين" تقع في نفس تاريخ عيد جميع القدّيسين وتذكار الموتى، في الكنائس الغربيّة، سعى محاربو هذا العيد، من عبدة الشياطين، إلى ضرب المفهوم الحقيقي لهاتين المناسبتين، وهذا ما نشهده في دول الغرب.
للأسف عندنا في لبنان سكبوا مظاهر هذا الاحتفال، "المقزّزة"، على عيد القدّيسة بربارة، لمجرّد تقاليد التنكّر، انطلاقًا من أنّ كل شيء من الغرب جيّد! قد يقول البعض، حسنًا هذا صحيح، ولكن، "الهالوين" حاليًّا هو مجرّد وقت يفرح فيه الأطفال ويتمتّعون فيه بالحلوى والأزياء المضحكة والمخيفة معاً، ولكن الحقيقة ليست كذلك! "فرموز الاحتفال بـ"الهالوين" بما تتضمّنه من سحرة وشياطين ومشعوذين ليست بريئة، لأنّها ضمنياً عملية تطبيع للرموز الشيطانيّة"، وهذا خلاف ما يجب أن يعيشه الاولاد من تربية وتوجيه صالحين.
الكل من جهته مدعو إلى الوعي واليقظة من ممارسات شاذّة، تُفقد عيد القدّيسة بربارة، وباقي الأعياد، ابعادها الروحية السامية وتشوّهها، كما حصل أيضًا مع شخصيّة "بابا نويل"، التي سرقت وهج القدّيس نيقولاوس العجائبي، الذي نعيّد له في السادس من شهر كانون الأول.
هذا ما نقوم به اليوم في كنائسنا، من شرح وتوضيح للأولاد عن معنى العيد الحقيقي، وموضوع التنكّر، يبقى على الأهل مؤازرة الكنيسة مع اولادهم وفي بيوتهم. هناك بعض الازياء التنكّرية البسيطة التي بمتناول أيدينا، بإمكان الأولاد ارتداءها، وتجّسيد مرحلة من سيرة القدّيسة بربارة، عندما تنكّرت هربًا من والدها وعثروا عليها بين سنابل القمح، لا الترّويج لمعظم ما يعرضونه التجّار عندنا، من ثياب ووجوه مقلقة ومفزعة ومزعجة، وبعض الإعلام "الغبيّ" يساهم في تشويه هذا العيد، الذي لا يقل اهمية عن اعياد سائر القدّيسين، فهل نساهم معهم في ضرب مفهوم هذا العيد المبارك؟ أم أن الوثنيّة عادت لتطرق بابنا من جديد؟ إحذروا الظلمة واسلكوا في النور لتكونوا أبناء العلي لا أبناء الشيطان.