في الوقت الراهن، باتت معالجة الشغور المحتمل في قيادة الجيش اللبناني، مع إقتراب موعد نهاية ولاية العماد جوزاف عون في 10 كانون الثاني المقبل، هي الحدث السياسي الأبرز على الساحة اللبنانية، خصوصاً بعد أن بات هذا الملف بنداً أساسياً على جدول أعمال المبعوثين الدوليين، من دون أن يقود ذلك إلى حسم الوجهة التي سيسلكها هذا الملف في الأيام المقبلة، حيث لا تزال الإتصالات قائمة بين المعنيين.
في هذا الإطار، قد يكون من المفيد العودة إلى المعادلة التي كان قد تحدث عنها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي لفت إلى أن أصل الخلاف ماروني-ماروني، في إشارة إلى كل من حزب "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، بالرغم من رفضها من جانبهما، على إعتبار أن أي مخرج بهذا الشأن يحتاج إلى تنازل من قبل أحدهما، لكن من سيكون المستفيد؟.
في هذا السياق، لا يزال رئيس المجلس النيابي يفضل أن يأتي المخرج المناسب عبر بوابة مجلس الوزراء، بحسب ما تشير مصادر متابعة عبر "النشرة"، لكن في المقابل هو يتحضّر ليتولى المهمة في حال فشلت الحكومة في ذلك، ويسعى إلى أن يحصل على الثمن المقابل من جانب "القوات"، الذي كان قد بادر إلى تقديم إقتراح قانون ينص على التمديد لعون، مشترطاً أن يكون بنداً وحيداً على جدول أعمال الجلسة التشريعية.
في الفترة الماضية، كان الحزب يعارض مفهوم تشريع الضرورة، بينما لم يكن "التيار الوطني الحر" يوافق على حضور أيّ جلسة، بل يقارب الموضوع على أساس البنود التي تكون موضوعة على جدول الأعمال، أما اليوم، فترى المصادر نفسها أنّ "القوات" سيكون مضطراً لتغيير موقفه، لتحقيق هدفه بالتمديد لقائد الجيش.
في المقابل، لا يبدو أنّ بري في وارد أن يفوّت فرصة الإستفادة من ذلك، لتكريس حق المجلس بالتشريع في ظلّ الشغور الرئاسي، لا سيّما أنّه لم يكن، في يوم من الأيام، متماشياً مع الذين يربطون عمل المجلس التشريعي بانتخاب رئيس للجمهورية، فإلى جانب فصل السلطات بين المؤسّسات، يُصرّ على أن عمل المجلس التشريعي لا يجب أن يتوقّف بل عليه أن يستمر بأدائه في كل الظروف، ومنها ظرف الفراغ الرئاسي، لا بل هو في الأصل لا يحبّذ فكرة تشريع الضرورة، على قاعدة أن شؤون المواطنين كلها ضرورية.
بالنسبة إلى المسار الحكومي، النقطة المفصلية في هذا المجال تكمن بالصراع القائم حول الصلاحيات وآليات إتخاذ القرار، منذ لحظة دخول البلاد الشغور الرئاسي بعد إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، بين "التيار الوطني الحر" ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، نظراً إلى أن التيار يعتبر أن ليس من حق الحكومة الحالية القيام بأي تعيينات، كما أنّ القرارات التي تصدر عنها يجب أن توقع من قبل جميع الوزراء.
على هذا الصعيد، تلفت المصادر المتابعة إلى أنّ التيار، ولو بصورة غير مباشرة، كان قد تراجع خطوة إلى الوراء، حيث أنّ خيار التعيين، لتفادي الشغور في قيادة الجيش، كان قد صدر عن وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم، الذي يعتبر من المحسوبين عليه، وهو ما يعني الموافقة الضمنية على حق هذه الحكومة القيام بتعيينات، الأمر الذي على الأكيد يفرح رئيسها.
أما بالنسبة إلى الخطوة الثانية، فتشير المصادر نفسها إلى أنه بحال العودة من جديد إلى خيار التعيين، فإن ميقاتي لن يقبل أن يكون ذلك إلا وفق الآلية القائمة، أي أنه لن يقبل بطرح توقيع المراسيم أو القرارات من قبل جميع الوزراء، ما يعني أنه سيكرس شرعية عمل حكومته في مرحلة الشغور الرئاسي، وهو ما سيعتبره هدفاً يسجله في مرمى رئيس التيار النائب جبران باسيل.
في المحصّلة، أيّ خيار بالمعالجة، عبر بوابة مجلس الوزراء أو المجلس النيابي، سيعني تقديم "التيار الوطني الحر" أو "القوات اللبنانية" تنازلاً مقابلاً، أما المستفيد من ذلك سيكون بري أو ميقاتي، من دون أن يلغي ذلك فرضيّة عدم القدرة على معالجة هذا الملف، بسبب الخلافات التي لا تزال قائمة حوله.