منذ اللحظات الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، قرر الرئيس الأميركي جو بايدن أن يكون إلى جانب إسرائيل في الحرب التي تخوضها ضد حركة "حماس"، لدرجة أنه لم يتردد في زيارتها بالرغم من المخاطر الأمنية الناجمة عن ذلك، بالإضافة إلى التداعيات التي يتركها هذا الموقف على علاقة بلاده، مع العديد من الدول العربية التي تعتبر حليفة للولايات المتحدة.
في الأسابيع الماضية، برز بعض التحول في الموقف الأميركي، نتيجة حجم الإعتداءات التي قامت بها القوات الإسرائيليّة في قطاع غزة، إلا أن ذلك لم يصل إلى المستوى المطلوب الذي يقود إلى وقف إطلاق النار، في حين تلعب واشنطن دوراً أساسياً، من خلال الضغوط التي تمارسها، لمنع توسع رقعة الإشتباكات في جبهات أخرى، أبرزها لبنان.
أول من أمس، بادرت الإدارة الأميركية إلى الإعلان عن توقيع عقوبات على مستوطنين إسرائيليين، حيث أفاد وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأن بلاده فرضت قيوداً على التأشيرات، تستهدف متورطين بالعنف في الضفة الغربية، مطالباً إسرائيل باتخاذ مزيد من الإجراءات لحماية الفلسطينيين من الهجمات المتطرفة.
وقبل ذلك، كانت قد عمدت، في الأسابيع الماضية، إلى إظهار بعض التوازن، من خلال الإعلان عن مساعدات إلى غزّة، أو الإيحاء بأنها تضغط على تل أبيب للموافقة على الذهاب إلى هدن إنسانية، إلى جانب رفضها إعادة إسرائيل احتلال قطاع غزة. الأمر الذي فهم على أساس أنه محاولة من قبل واشنطن للتخفيف من حدة الإنتقادات التي تتعرض لها، والتي كانت قد أدت إلى إنقسامات داخل بعض المؤسسات، أبرزها وزارة الخارجية.
في هذا المجال، من الضروري الإشارة إلى أهمية النتائج التي تظهرها إستطلاعات الرأي، فيما يتعلق بالسباق الرئاسي المنتظر بين بايدن والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في شهر تشرين الثاني المقبل، حيث أن الإستطلاع الأخير كان قد كشف أن شعبيّة بايدن اقتربت من أدنى مستوياتها خلال رئاسته هذا الشهر، في علامة على التحدّيات المقبلة أمام محاولة إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في العام المقبل.
من المتعارف عليه أن القضايا الأساسية التي تهم الناخب الأميركي هي الأمور الداخلية، في حين تلعب السياسات الخارجية دوراً ثانوياً، وفي المرحلة الراهنة فإن أبرز العناوين التي تهم الناخب الأميركي هي الاقتصاد والجريمة والهجرة، لكن في ظل التوقعات التي تتحدث عن منافسة محتدمة يصبح تأثير الناخبين، الذين يصوتون بناء على الموقف من القضايا الخارجية، من الأمور البالغة الأهمية، وهو ما يمكن أن يدفع الحزب الديمقراطي إلى إعادة التفكير بالتداعيات التي يتركها الموقف الأميركي من حرب غزة، على هؤلاء الناخبين.
في الإستحقاق الإنتخابي الماضي، الذي تنافس فيه بايدن أيضاً مع ترامب، لعب الناخبون المسلمون والعرب دوراً مؤثراً في تأمين تفوق الرئيس الحالي، بالرغم من أن العديد من الدول العربية كانت تفضل إعادة إنتخاب الرئيس السابق، وهو ما ينطبق أيضاً على موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي كانت علاقاته مع بايدن تشهد توتراً دائماً. أما اليوم فالوضع مختلف، حيث تعهد زعماء مسلمون أميركيون من ست ولايات متأرجحة، تعد حاسمة في الانتخابات الرئاسية، بحشد مجتمعاتهم ضد إعادة انتخاب بايدن بسبب دعمه للعدوان الإسرائيلي على غزة، في حين أظهر استطلاع للرأي أن شعبية الرئيس الأميركي بين الأميركيين العرب انخفضت من أغلبية مريحة في عام 2020 إلى 17 بالمئة.
من حيث المبدأ، قد يكون من الصعب توقع أن تذهب هذه الأصوات إلى ترامب، على إعتبار أن هؤلاء الناخبين في الأصل كانوا قد قرروا التصويت لبايدن، بسبب معارضتهم السياسات التي كانت متبعة في عهد سلفه، إلا أن الأكيد أن تأثيرهم في المعركة الإنتخابية سيكون كبيراً، على إعتبار أنه حتى ولو لم يحصل ترامب على تلك الأصوات، فإنّ بايدن سيخسرها، خصوصاً إذا ما إستمرت الحرب في غزّة لفترة أطول، وفي حال كانت المنافسة، كما هو متوقع، متقاربة، فإنها قد تكون حاسمة، لا سيما في الولايات التي تصنف متأرجحة.
في المحصّلة، طوال الأسابيع الماضية كان الحديث الدائم عن أن "طوفان الأقصى" ستقود إلى إنهاء الحياة السياسية لمجموعة واسعة من القيادات الإسرائيليّة، خصوصاً نتانياهو، لكن على ما يبدو فإنّ الحرب على غزة قد لا تستثني الرئيس الأميركي من ضمن قائمة ضحاياها، لا سيما إذا لم تنته في وقت قريب، أو لم تبادر الإدارة الأميركية إلى معالجة الخلل القائم.