في الأسابيع الماضية، طغى الإهتمام في معالجة الشغور المحتمل في قيادة الجيش، مع إقتراب موعد نهاية ولاية العماد جوزاف عون، على الإستحقاق الرئاسي، لا سيما أن التطورات التي أفرزتها عمليّة "طوفان الأقصى"، على السّاحتين الفلسطينيّة واللبنانيّة، فرضت التركيز على الأوضاع العسكريّة والأمنيّة، نظراً إلى أنّ الجبهة الجنوبيّة باتت جزءاً من الحرب، التي لم تظهر، حتى الآن، أيّ أفاق لإمكانيّة إنتهائها في وقت قريب.
في الأسبوع الحالي، من المُفترض أن يُحسم الجدال المفتوح حول ملفّ قيادة الجيش، مع ترجيح خيار التمديد لعون نيابياً، في حال لم تحصل أيّ مفاجأة، لكن بعد ذلك ستشهد المعادلة التي كانت قائمة في الإستحقاق الرئاسي تبدّلات كبيرة، لا سيما أنّ معركة التمديد لعون لم تكن سهلة على الإطلاق، بل كرّست واقعاً لم يعد من الممكن تجاوزه.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الملف الرئاسي، من الناحية العمليّة، لا يزال مؤجّلاً إلى حين الإنتهاء من العمليّات العسكريّة في قطاع غزة، مع ما يعنيه ذلك من ترتيب الأوضاع على مستوى الجبهة الجنوبيّة، على إعتبار أنه قبل الوصول إلى ذلك لا يمكن الحديث عن أيّ تسوية من العيار الثقيل على المستوى اللبناني، أما التركيز على الإنتهاء من ملفّ قيادة الجيش، فإنّ الهدف منه أمني بالدرجة الأولى لا سياسي، وهو الحفاظ على الإستقرار المحلي بالحدود التي هو عليها اليوم.
وتلفت المصادر نفسها إلى أنّ المشكلة الأساسيّة في هذا المجال تكمن بالمعادلات التي وضعت من قبل بعض الأفرقاء المحليين، حيث هناك من رأى أنّ التمديد لصالح قائد الجيش يحافظ على حظوظه الرئاسيّة، بينما في المقابل هناك من اعتبر أنّه يعني إنتهاء هذه الحظوظ، وبالتالي الإنتقال إلى مرحلة جديدة لا يكون فيها مرشحاً من الدرجة الأولى، في حين أن الملف الرئاسي بات مرتبطاً بأمور أكبر من الساحة الداخلية، حيث أضافت التطورات العسكريّة تعقيدات إضافية لا يمكن التقليل من أهميّتها.
إنطلافاً من ذلك، ترى هذه المصادر أنّ الملفّ الرئاسي، بالإضافة إلى إرتباطه بتوازنات المرحلة المقبلة داخلياً، باتت التسوية فيه تتطلب إنتظار الواقع الّذي ستكون عليه المنطقة بعد إنتهاء الحرب في غزّة، مع ما يعنيه ذلك من ترتيبات تشمل الجبهة الجنوبية، لا سيما مع ذهاب الجانب الإسرائيلي إلى وضع معادلة إبعاد "حزب الله" عن الحدود، سواء كان ذلك دبلوماسياً أو عسكرياً.
بالعودة إلى التداعيات على مستوى حظوظ قائد الجيش الرئاسيّة، تعتبر المصادر السياسية المتابعة أنّ البحث في هذه النقطة يجب أن ينطلق من معادلة أنّ التطورات على الحدود اللبنانيّة، ستعزّز من تمسّك "حزب الله" بمعادلة الحاجة إلى رئيس "مضمون" لا يطعن المقاومة في ظهرها، الأمر الذي كان قد دفعه إلى التمسّك بترشيح رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجيّة، وتشير إلى أنّ ذلك سيتعزّز أكثر في المرحلة المقبلة.
بالنسبة إلى عون، تلفت المصادر نفسها الى أنّ الإنقسام السياسي الذي رافق معركة التمديد له سيضعف، على الأرجح من حظوظه الرئاسيّة، خصوصاً أنّ هذا التمديد، في حال حصوله في المجلس النيابي، لن يكون بأكثرية نيابية كبيرة، وهو ما يعتبر كمؤشر رئاسيّ لا يمكن التقليل من أهميته، مع الأخذ بعين الإعتبار أنّ الطريقة التي خيضت فيها المعركة رفعت من مستوى "الشكوك"، خصوصاً بعد أن تحوّل التمديد مطلباً غربياً، كان قد عبّر عنه حضور المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان شخصياً إلى بيروت لهذه الغاية.
في المحصّلة، تدعو هذه المصادر إلى التوقّف عند المعادلة التي كانت قد برزت، في الفترة الماضية، لناحية الحديث عن انّ قائد الجيش لم يعد يُصنّف مرشحاً رئاسياً ثالثاً، حيث برزت أسماء أخرى منها مدير عام الأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، في حين أن طرح إسمه، قبل أشهر، كان يتم على أساس أنه هو أبرز مرشحي الخط الثالث، لتشير إلى التوازن المنتظر عندما يحين موعد وضع الملف الرئاسي من جديد على طاولة البحث.