لا يكاد يمر يوم منذ ان دخل حزب الله على خط المواجهة مع القوات الاسرائيليّة وفق قواعد معيّنة بعد عملية طوفان الاقصى، الا ويتم الحديث عن وجوب ابعاد الحزب عن المناطق المحاذية للحدود الجنوبية للبنان.
في البدء كان الحديث يكتسب فقط منحى التهديد بالويل والثبور وعظائم الامور، والتلويح بازالة لبنان او اعادته الى العصر الحجري. ومع مرور الوقت، بقيت هذه اللغة موجودة، انّما اضيفت اليها لغة اخرى هي الدبلوماسية والحرص على سلامة لبنان واللبنانيين من خلال الدعوة الى اعتماد حزب الله سياسة النأي بالنفس عما يحصل في غزة، فيسلم لبنان بالتالي من أي أذى.
واليوم تطورت المسألة اكثر فأكثر فصار الكلام عن حلّ دبلوماسي على لسان مبعوثين ومسؤولين من الدول الكبرى وبالاخص من الولايات المتحدة وفرنسا، قدموا طروحات وجسّوا النبض حول القدرة على فصل المسار اللبناني عن المسار الفلسطيني (وبالتحديد الحرب على غزة) من خلال كلام عن قوات فصل دولية على جانبي الحدود، وتراجع الحزب الى ما وراء الليطاني، وتطبيق القرار 1701... فهل هذه الطروحات قابلة للتنفيذ؟.
مصادر مطلعة شاركت رؤيتها في هذا المجال، واعتبرت ان الكلام عن تطبيق القرار 1701 في هذه الظروف ليس بالامر السهل، فتراجع الحزب يتطلب اثماناً باهظة يجب على اسرائيل دفعها، وفي مقدمها الانسحاب من الاراضي المحتلّة في مزارع شبعا والغجر وتلال كفرشوبا، وفي حال تجاوب الاسرائيليون مع الضغط الاميركي في هذا السياق، فسيطلب الاميركيون من لبنان دفع الحزب الى ما بعد الليطاني وضمان عدم تواجده عسكرياً في نطاق عمل قوات "اليونيفيل"، مع تطمينات بعدم اعتداء اسرائيل على لبنان. هذا الاحتمال صعب، لانه اولاً سيعني تخلي اسرائيل عن كل اوراقها لبنانياً وهو امر غير محتمل، وثانياً من المعروف انها لا تقبل باعطاء كل شيء للجانب المقابل، ومن المتوقع بالتالي ان تماطل في الانسحاب من كل الاراضي التي تحتلها، وستتّخذ من بعض الاراضي غير المرسّمة بين لبنان وسوريا ذريعة لعدم الانسحاب منها، وهي تعلم تماماً ان الترسيم بين البلدين الجارين مستبعد قبل اعطاء الاثمان اللازمة للسوريين للقيام بهذه الخطوة.
هذا التعقيد سيزيد من صعوبة تحقيق الهدف الاميركي بانهاء المشكلة بين لبنان واسرائيل واحراج حزب الله، فمهمة المبعوث الاميركي آموس هوكشتاين لن تكون بسهولة الترسيم البحري الذي اشرف عليه، بل ستشكل كابوساً من الصعب التخلّص منه، وبالتالي ستبقى الحلقة المفرغة قائمة وسيبقى الافرقاء يدورون فيها من دون الوصول الى الحلّ المنشود. كل هذه التعقيدات تبقى من دون التطرّق الى التعقيدات المتعلّقة بحزب الله بما يطلبه مقابل تنفيذ هذه الطلبات، اذا ما قرر تنفيذها، لانه يعتبر حالياً ان له اليد الطولى في ايّ مفاوضات قد تحصل، ومن غير المنطقي التسليم بأنّه سيقدم تنازلات على طبق من ذهب، ومن دون مقابل.
اما الاقتراح الآخر القاضي بحلّ مشكلة غزّة عبر التسليم بما حصل حتى الآن وابقاء كل الوضع على حاله، خصوصاً لجهة كسب الاسرائيليين بعض الامتار الاضافية، ففيه من المشاكل ما يكفي، اذ من الذي سيقنع حركة "حماس" بالتخلّي عن غزّة، ومن سيقنع المصريين والاردنيين باستقبال اعداد من اللاجئين الفلسطينيين على ارضهم بما يضمن عدم عودة هؤلاء الفلسطينيين الى منازلهم، ومن الذي سيتولى اعمار غزة وعلى اي اساس وتحت اي سلطة؟.
اما اعتماد الخيار العسكري، فيعلم الجميع انها الكأس المرّة التي يحاول الاميركيون والاوروبيون تجنب تجرّعها، وهم يقومون بكل جهد ممكن في سبيل تحقيق هذه الغاية، وتجزم المصادر نقلاً عن اناس قريبين من الحزب قولهم ان أيّ حرب مقبلة ستشهد انتقال المعارك الى الداخل الاسرائيلي، وهو امر شبه مؤكد وكفيل بطرح كل علامات الاستفهام العديدة حول هذا الموضوع، ولن تكون خسارة الحزب واللبنانيين وحدهم في هذه الحرب، بل ستكون الخسارة الاسرائيليّة كبيرة ايضاً مع نقمة أكبر ستتفاقم في الداخل اذا ما كان عدد القتلى الاسرائيليين كبيراً.
وتخلص المصادر الى اعتبار كل ما يحكى في اطار الحلّ الدبلوماسي او العسكري مجرّد تكهنات، ولا يوجد أيّ شيء ملموس يمكن الرهان او البناء عليه للانطلاق منه الى التنفيذ والعمل.