اكتسبت الحرب على غزة منحى خطيراً بعد دخول اليمن على الخط وتهديد السفن التي تمر في البحر الاحمر، ما استدعى تحركاً دولياً تقوده الولايات المتحدة لتشكيل قوة عالمية لحماية السفن وتأمين استمرارية هذا الخط، خصوصاً وان تداعياته خطيرة جداً على حركة التجارة والاقتصاد العالمي بشكل عام. هذه الخطوة سرّعت من تحرك الدول للضغط على اسرائيل واجبارها على الرضوخ للتسوية، لان بقاء الامور على ما هي عليه بدأ يلقي بظلاله السلبية والكارثية على الدول الغربية بشكل خاص، ناهيك عن النتائج الكارثية في ما خص الحرب الروسية-الاوكرانية من جهة، والتهديدات الكوريّة الشمالية باشعال حرب نوويّة من جهة اخرى، والوضع الحرج جداً على الجبهة اللبنانية وتصاعد الدعوات لايجاد حل دبلوماسي له.
وفي خضم كل ذلك، ووسط هذه التعقيدات، خرج رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ ايام، ليكشف بما لا يقبل الشك نواياه من الحرب واهدافه لتوسيعها، مع باقي فريق عمله في الحكومة الحالية. وفي وقت توقع الاسرائيليون والغرب ان يتحرك رئيس الوزراء الاسرائيلي لوضع حد للحرب عبر ايجاد ارضية صالحة للوصول الى تسوية، اذا به يتحدث عن ضرورة تأجيل محاكمته بتهم الفساد، ريثما يتم الانتهاء من الحرب، فيما لاقاه عدد من الوزراء في حكومته للقول انه لا يجوز اجراء تغييرات حكوميّة وسط اجواء الحرب. هذا التصريح العلني انما يعكس ما قيل منذ اليوم الاول للحرب، لجهة ان ما يضمره نتنياهو بالفعل هو انقاذ نفسه وليس مصلحة الاسرائيليين ولا الاميركيين ولا العرب والفلسطينيين بطبيعة الحال. ولكن، هذا التصريح يعني ايضاً ان الضغوط عليه باتت اكبر من ايّ وقت سابق، وانه بات لزاماً عليه، على ما يبدو، ايجاد المخرج اللازم الذي يجنّبه انهاء حياته السياسية، ويضمن في الوقت نفسه الوصول الى تسوية تريح المنطقة والعالم، وتجنّب الجميع تعقيدات على ابواب مرحلة مهمة من التحديات الداخلية ان في الولايات المتحدة الاميركية او في اوروبا.
ومن الواضح ان ميزان المعادلة الذي يضع نتنياهو في مكان ومصلحة الدول في المقابل، بات يميل للجهة البعيدة عن رئيس الوزراء الاسرائيلي، بدليل تنامي المواقف الدولية التي تندد بما تقوم به اسرائيل والتصريح الشهير للرئيس الاميركي جو بايدن بوجوب اجراء تغييرات في الحكومة الاسرائيلية، اضافة الى الحديث اليومي عن تطورات ومحادثات ومفاوضات من شأنها تقديم الحلول الدبلوماسية على سواها من الحلول وخصوصاً منها العسكرية. وهنا ايضاً يمكن فهم فتح النافذة الدبلوماسية على ايجاد حلّ للمسائل الداخلية اللبنانيّة، والتي بدأت في النجاح باعتماد التمديد لقادة الاجهزة الامنية والكلام عن وجوب ايجاد حلّ توافقي لانهاء الفراغ الرئاسي الحاصل منذ اكثر من عام.
هذا الكلام لن يعني بأيّ حال من الاحوال الغرق في اوهام تخلّي العالم عن اسرائيل، وما فعلته اميركا في مجلس الامن كاف لتأكيد هذه النظريّة، انما لم يعد من الممكن التغاضي عن التأثير الكبير الذي تحدثه الحرب على غزّة والاعداد الكبيرة من القتلى الفلسطينيين من النساء والاطفال الذي تخطّى الخيال، واشعل حملة انتقادات واسعة لاسرائيل ولمن يدعمها في تحركها العسكري الذي لا يفّرق بين مدني ومسلح. لذا، لم يعد امام نتنياهو الا حلّين لا ثالث لهما: اما الاستمرار في جنونه وخرق كل السقوف الموضوعة عبر جرّ المنطقة كلها الى الحرب، وعندها سيكون مصيره اسود ولن يستفيد من شيء، واما الدخول في مفاوضات من شأنها ان تسمح له بالخروج بأقل قدر ممكن من الاضرار وتجنّب محاسبته فتنتهي حياته السياسية انما يتفادى السجن، وقد يكون الخيار الثاني هو الافضل للجميع وهذا ما تعمل عليه الدول في الوقت الحالي، ولكن الوقت لا يرحم وهو سريع جداً ومن الصعب ايقافه، فالحل يجب ان يأتي قريباً والا...