أكّد بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، أنّ "عالمنا اليوم، وبخاصة شرقنا، يحتاج إلى الرجاء والسلام، أكثر من أي وقت مضى. ففيما نحتفل بعيد الميلاد متأملين بسر التجسد، ومندهشين بالله يكلمنا بابنه الوحيد، يسوع- الإله المتأنس الذي حل بيننا، وصار صغيرا فقيرا وضعيفا، لا يسعنا الا أن نفكر بالمآسي التي يعيشها شعبنا اليوم، لا سيما سكان الأراضي المقدسة، الذين فرضت عليهم حرب مدمرة في غزة، وارتدت انعكاساتها المريرة على المناطق المحيطة بها؛ وبشكل خاص على المناطق الحدودية في الجنوب اللبناني. إنّها مآس غيبت بهجة العيد عن معظم بلدان شرقنا".
وأشار، في رسالة وجهها لمناسبة عيد الميلاد، بعنوان "الله يكلمنا بابنه"، إلى أنه "لا يمكننا إلا أن نعبر للإخوة والأخوات هناك، وخصوصا للأطفال وعائلاتهم، عن قربنا منهم ودعمنا الروحي لهم. إنهم يدفعون ثمن الحرب الظالمة، مشتركين في معاناة أهل بيت لحم بمقتل أطفالهم".
وذكر البطريرك يونان، أنّ "منذ عشرات السنين، لا يزال السلام غائبا في الأرض التي منها أشرق ملك السلام!"، مناشدًا "مع الشرفاء في هذا العالم"، جميع المعنيين من حكومات وشعوب، "كي يعملوا بصدق وجدية على الوقف الفوري الكامل والشامل لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية الواجبة للسكان الذين يعانون جراء هذه الحرب".
ولفت إلى أنّ "في لبنان، يعيش المواطنون أزمات اقتصادية متتالية منذ اندلاع ثورة 17 تشرين الأول 2019 وما تلاها من أحداث، وتفشي وباء "كورونا"، والتفجير الإرهابي لمرفأ بيروت، الذي لا تزال التحقيقات القضائية فيه معطلة بسبب المنافع السياسية، بالإضافة إلى الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، إذ تقوم فئة من السياسيين اللبنانيين بتعطيل الانتخابات الرئاسية عبر تمنعها دون مبرر عن حضور الجلسات، ضاربة عرض الحائط مصالح اللبنانيين وحاجتهم الماسة للإستقرار السياسي والاقتصادي".
كما ركّز على أنّ "هذه الفئة المتحكمة بالوطن، تحاول جاهدة إحكام سيطرتها على مفاصل الدولة والاستمرار بالسياق عينه في ضرب كل المؤسسات الدستورية، من رئاسة الجمهورية، إلى حاكمية مصرف لبنان، وتعطيل عمل القضاء، وصولا إلى قيادة الجيش وقيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية، إلى أن جهد المخلصون أخيرا؛ فحكّموا ضميرهم وتفادوا وقوع الفراغ فيها".
ودعا يونان، "جميع أبنائنا وبناتنا وجميع اللبنانيين المؤمنين بهذا الوطن وبالرسالة التي يحملها، أن يرفضوا الاستسلام. وليكن زمن ميلاد الرب يسوع زمن الخلاص للبنان من أزماته، وليحمل العام الجديد 2024 الأمل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، واستكمال السلطة التنفيذية باختيار من يحملون هموم الوطن ومصالحه في عقولهم وقلوبهم، ليعملوا على انتشال لبنان من كبوته، وإعادته إلى مصاف الدول المزدهرة والمتطورة".
وأضاف: "في سوريا، نصلي كي تثمر الجهود الدولية والدبلوماسية رفع العقوبات المفروضة، وإنهاء الصراع القائم منذ أكثر من اثني عشر عاما، وتفضي إلى تسوية تنهي التنافس والنزاع في سوريا كما في المنطقة في مجالات عدة. فتنعكس على الشعب السوري الطامح إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويعود من غادر أو تهجر، ولا سيما الشباب، ليسهم، مع الذين تعالوا على النكبة وصمدوا متجذرين في أرضهم، في خلق الثقة وتعزيز الوحدة والمصالحة بين جميع مكونات الوطن؛ والمشاركة بإعادة بناء ما تهدم".
وشدّد على "أنّنا نسأل الرب يسوع أن ينعم، بجاه ميلاده، على هذا البلد بالأمان، فيؤول الاستقرار الأمني إلى استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، لا سيما بعد الآثار التي نتجت عن الزلزال المدمر الذي أصاب أجزاء من البلد في شباط الماضي".
وأشار يونان إلى أنّ "في العراق، لا تغيب عن بالنا الفاجعة المريعة التي راح ضحيتها 133 شخصا من أبنائنا وبناتنا الأعزاء، في قره قوش (بغديده) الحبيبة، فضلا عن إصابة مئات الآخرين. ولنا الثقة ألا تزعزع هذه النكبة ثباتنا في إيماننا، بل على الآلام المريرة أن تزيدنا رسوخا في أرض آبائنا وأجدادنا، وتقوي رجاءنا فوق كل رجاء. لذا نجدد تضامننا الأبوي وقربنا وصلاتنا من أجل راحة نفوس الضحايا، وتعزية عائلاتهم وأهلهم وذويهم وبلسمة جراحهم".
وبيّن "أنّنا لا ننسى التحديات الكثيرة التي يجابهها الشعب العراقي، إزاء الأزمات السياسية والاقتصادية التي خلفتها الصراعات، ونضرع إلى الرب يسوع أن يحمل بميلاده الطمأنينة والأمان لجميع المواطنين، فيشاركوا مع المسؤولين الأصلاء في مشروع نهضة العراق الحضارية وبنائه بشرا وحجرا، وصولا للاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي".
إلى ذلك، هنّأ جميع المصريين "بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، ونصلي كي تحمل نتائج الانتخابات أملا بتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب المصري، في ظل التضخم الحاصل".
وأعرب البطريرك عن "ارتياحنا لما تقوم به السلطات في الأردن وبلدان الخليج العربي، لتأمين الرخاء والازدهار للشعب، في جو من الألفة والمودة والتسامح".
وأفاد بـ"أنّنا نتابع مع أبنائنا الغيارى المساعي لاستعادة مقر بطريركيتنا في ماردين في تركيا، ونصلي كي يستمر أبناؤنا في أداء شهادتهم للرب في هذا البلد، بالعيش الكريم والمواطنة الكاملة".
كما توجّه إلى "أبنائنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركيتين وأستراليا، ونحثهم على عيش إيمانهم بالرب يسوع، ومتابعة التزامهم الكنسي، بالأمانة لكنيستهم السريانية وتراثهم السرياني الثمين، وتقاليدهم الأصيلة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم في أوطانهم الأم في الشرق، مع المحبة والإخلاص لأوطانهم الجديدة التي فتحت لهم آفاق العيش الكريم والحر. ونوصيهم أن يحافظوا على قدسية العائلة، ويربوا أولادهم تربية مسيحية صالحة، رغم المخاطر والتحديات والمغريات".
وحثهم أيضًا على "القيام بأعمال ومبادرات محبة، يمليها عليهم حسهم الأخوي وانتماؤهم العائلي والكنسي، فيساهموا قدر استطاعتهم في دعم الكنيسة والمؤمنين في بلاد الشرق، حيث تكبر المعاناة، وتتفاقم التحديات، وتزداد الحاجات المادية".
وأكّد يونان "أنّنا لا ننسى أن نجدد صلاتنا إلى الرب يسوع، المولود طفلا في مذود بيت لحم، من أجل انتهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا، وحل كل نزاع في العالم بالحوار والتفاوض والتفاهم، والتوقف عن سفك الدماء وتدمير البشر والحجر".
وجدد المطالبة بـ"الإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفة وكهنة وعلمانيين"، سائلين الله أن "يرحم الشهداء، ويمن على الجرحى والمصابين بالشفاء التام". وأعرب عن المشاركة والتّضامن مع "آلام ومعاناة المعوزين والمهمشين والمستضعفين، وكل العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نعمه وبركاته وتعزياته السماوية".