لا يختلف اثنان على ان اسر حركة "حماس" لعشرات الاسرائيليين يوم السابع من تشرين الاول الفائت، مدنيين وعسكريين من مختلف الاعمار، كان له اثر كبير على الحرب الدائرة حالياً على غزّة، ولكن ما هو هذا الاثر وما هي مفاعيله بعد نحو 4 اشهر على بداية الحرب؟.
في الواقع، اصيب مسؤولو الحركة الفلسطينيّة بخيبة امل كبيرة بعد ردّ الفعل الاسرائيلي، اذ كانوا يتوقعون ان يكون الرد العسكري أقل اجراماً، بفعل الضغط الداخلي لاهالي الأسرى من جهة، وللضغط الخارجي المتمثل بالولايات المتحدة التي وجدت نفسها محرجة مع الاوروبيين بفعل العدد الهائل من القتلى الفلسطينيين وجلّهم من النساء والاطفال، اضافة الى الدمار الهائل الذي لحق بغزّة بقذائف اميركيّة تحديداً. اليوم، وبعد اسابيع على آخر عمليّة لتبادل الاسرى بين الاسرائيليين و"حماس"، يبدو ان المعنيين في الحركة الفلسطينيّة باتوا اكثر ادراكاً لما يجري، ولن يقبلوا بالشروط نفسها التي خاضوا بها المرحلة الاولى من المفاوضات، لانّهم وجدوا ان ما كسبوه كان قليلاً جداً بالنسبة الى الآمال الكبيرة التي كانوا يعلّقونها على مسألة الاسرى، خصوصاً وان التجارب السابقة مع الاسرائيليين ان كان مع الفلسطنيين او مع حزب الله، بيّنت بوضوح مدى استرسال الاسرائيليين في اعطاء مكاسب كبيرة مقابل استرجاع رفات او اسرى احياء، وهو ما لم يحصل هذه المرّة بسبب الحسابات السياسية لرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.
من المهم الاشارة الى انّ الرهان سيبقى على الضغط الداخلي لاهالي الاسرى، وعلى الضغط الخارجي ايضاً على اسرائيل لوقف اجرامها، ولكن لا شك سيكون هناك عمل على ضمانات اكبر وطلبات ملموسة وسريعة في سبيل جعل ايّ عملية تبادل مقبلة "مربحة" لـ"حماس" التي فقدت قسماً مهماً من التأييد والاحتضان من قبل الغزاويين الذين يعانون القتل والجوع والامراض، ولا امل لهم بعد في تحسين اوضاعهم، اقله على المدى المنظور.
اما من الناحية السياسية والدبلوماسية، فلا يمكن غضّ النظر عن الوضع الاسرائيلي المقلق على الجبهة الجنوبيّة للبنان، حيث يزداد خطر اندلاع المواجهة الشاملة في كلّ لحظة، انّما في الوقت نفسه يتمّ شلّ الحركة بشكل كلّي في هذا الجزء، وتجهد اسرائيل لانهاء المسألة في اسرع وقت ممكن، وقد اعربت عن استعدادها (على الرغم من التهديد والوعيد) للدخول في مفاوضات جادّة للوصول الى حلّ دبلوماسي. ولا شك انه هنا ايضاً تلقي مسألة الاسرى بثقلها على الوضع، فالاسرائيليون خائفون من تكرار سيناريو 7 تشرين الأوّل الفائت على حدودهم الشمالية، لذلك عمدوا الى اخلاء المستوطنات بشكل كامل، لانهم لا يحتملون ابداً ان يعمد الحزب الى اخذ اسرى في ايّ مواجهة محتملة بين الطرفين، مع معرفتهم المسبقة بوجود انفاق لدى الحزب يمكنه استعمالها للوصول الى ما بعد الحدود الجنوبيّة ونقل المعركة الى داخل الاراضي التي تسيطر عليها اسرائيل، كما انّ المفاوضات مع الحزب تختلف شكلاً ومضموناً عن الشروط مع حماس.
اما ما تأخّر بالفعل بالنسبة الى "الحماسيين"، فهو بقاء نتنياهو في منصبه على الرغم من فشله في استعادة الاسرى، والاخطاء الجسيمة التي وقع فيها وفي مقدّمها قتل 3 منهم على يد القوات الاسرائيلية نفسها. ومن المتوقّع ان يبقى الرهان على ان تؤدّي حركة الاهالي الى تنحّي نتنياهو بفعل تنامي السخط عليه من قبل المعارضة التي يبدو ان يائير لابيد مستعد لملء الفراغ الذي سيتركه نتنياهو، وهو لا يفوّت مناسبة منذ اسابيع، ليظهر فيها استعداده (ولو بطريقة غير مباشرة) لتولّي مهام رئاسة الحكومة، ولكن حتّى الآن لا تظهر اي عوامل تشي بأنّ الخلاص من رئيس الوزراء الحالي بات قريباً، وهو يتمسّك اكثر فأكثر بالمنصب بكل ما اوتي من قوّة. فهل سيكون الخلاص على يد الاسرى الاسرائيليين؟.