لكل سنة بداية أيام ونهاية أوقات تسجل على دفاتر الحياة، وميض آمال وتمنيات بأيام أفضل وتنحل سنين العمر في خبايا الزمان، فنودع سنةً ونستقبل أخرى على أمل آن تحمل الأيام القادمة الرجاء والأمل والصحة، وتكثر التمنيات والصلوات بحلول عام جديد ملؤه الطمانينة والاستقرار، عَيْنَا الرَّبِّ إِلهِكَ عَلَيْهَا دَائِمًا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ إِلَى آخِرِهَا(تث 11: 12).
ولكن هذا العام كان مقطوع الرأس بسبب ظروف صعبة وكان أولها عدم تمكن القوى السياسية من إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية رغم محاولات ووساطات داخلية وخارجية، فجسم الدولة اللبنانية معطّل ومشلول وهذا الشلل امتدّ ليطال كل المؤسسات الدستوريّة وكأننا في دوامة من الانحطاط وعدم المبالاة والاستسلام لحلول سياسية خارجية رغم الظروف المعيشية التي يعانيها المواطنون. انها سنة التحولات والتجاذبات انها سنة بدون رأس! ليس فقط الفراغ في سدّة الرئاسة الاولى انما على كافة الاصعدة التي عاشها الشعب اللبناني في وطن الرسالة والسلام والاخوة والعيش المشترك.
لقد اخفقت هذه السنة وكأنها لم تحمل لنا سلاما. لعل السنة القادمة تحمل لنا الجديد. من هنا ندخل في إشكاليّة محدودة متسائلين هل السنة هي التي تحمل لنا او نحن من نحمل لها؟ بالطبع نحن من نحمل السنوات، ونحن من يلوّنها بالوان مميّزة بعيدة عن الحسابات الخاصة بنا، نحن من نخدشها ونلوثّها بكبريائنا وجشعنا ولا مبالاتنا، نحن من نعيش على هامش الايام ونحن من نصنع المستقبل، فدعونا لا نتخاذل عن جعل الايام افضل واجمل، فنحن من نصنع التاريخ ومن نسكب على أيامنا بلسم المحبة والمصالحة والرجاء. فاذا كانت هذه السنة سنة بدون رأس فلنتذكر انه واجب علينا ان نكون نحن الرأس كل من موقعه وحسب طاقاته، علينا اعادة النظر في علّة وجودنا على هذه الارض وعلينا التحرك سريعًا كي نكون أداة سلام وسط من يزرع لغة الحرب والتفرقة واللا إنسانية، طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ" (مت 5: 9). نحن نفقد اليوم مبادرات إيجابيّة تبني الانسان والمجتمع والوطن.
لا يخفى علينا ان المنطقة تعيش ازمات تلو الأزمات وبخاصة ما تعيشه غزّة والشعب الفلسطيني وكل العالم.
في قلب ما نعيشه علينا النظر الى فوق إلى السماء التي تمطر علينا نعما سماوية وهي الحال لكل مؤمن يعيش على هذه الأرض، وهذا رجاء الانسان المسيحي بترقّب ساعة اللقاء بالرب دون حواجز، هذا الترقب نعيشه في هذه الدنيا في كل لحظة تمر في حياتنا، فالعودة الى حلول السماء هو المطلوب في هذه الايام ولنستقبل عامنا الجديد بهذا الزخم الروحي ونطرح عنا كل قنوط وانهزام، ولنجعل من الحاضر والمستقبل لحظات سماويّة مشرّعة نحو ربّ الاكوان والزمان، انه من احسانات الرب أننا لم نفنَ لأن مراحمه لا تزول هي جديدة في كل صباح(مراثي ارميا 3- 22).