على الرغم من التركيز، في الوقت الراهن، على إستمرار التصعيد الإسرائيلي العسكري على جبهة الجنوب، ربطاً بالتطورات القائمة في قطاع غزة، يبدو أن لبنان سيكون، في الفترة المقبلة، على موعد من جولة طويلة من المفاوضات، تستهدف ملفين أساسيين: الأول هو إعادة الهدوء على هذه الجبهة، أما الثاني فهو البحث في كيفية الوصول إلى تسوية سياسية، عنوانها الرئيسي الإنتخابات الرئاسية.
إنطلاقاً من ذلك، تعلق الكثير من الرهانات على زيارتين من المفترض أن تتما في الشهر الحالي، الأولى هي زيارة مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة عاموس هوكشتاين، أما الثانية فهي زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جون أيف لودريان، على إعتبار أن هوكشتاين مكلف بالبحث في ملف الحدود اللبنانية الإسرائيلية، أما لودريان فهو من المفترض أن يحمل معه مقترحات تتعلق بالملف الرئاسي.
في الملفين، تشير مصادر سياسية مطلعة عبر "النشرة"، كانت الأسابيع الماضية قد شهدت تمهيداً لإنطلاق مسار جديد من البحث، من دون أن يعني ذلك القدرة على الوصول إلى نتائج في وقت قريب، فتل أبيب، بالنسبة إلى الأوضاع في الجبهة الجنوبية، كانت قد رفعت من سقف مطالبها تحت عناوين مختلفة، أبرزها إبعاد عناصر "حزب الله" عن الحدود، على وقع حملة إعلامية تستهدف إستعطاف الدول الغربية، عبر التركيز على واقع سكان المستوطنات الشمالية.
أما بالنسبة إلى الملف الرئاسي، فتلفت المصادر نفسها إلى الحديث، الذي تلى التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون في المجلس النيابي، عن إمكانية تكرار هذا الأمر رئاسياً، بالتزامن مع آخر يتعلق بحراك من الممكن أن تشهده البلاد في الأيام المقبلة، يبدأ من خلال خطوات من الممكن أن يبادر إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، خصوصاً بعد الرسائل التي بادر حزب "القوات اللبنانية" إلى توجيهها له، في حين كانت بعض الأوساط الدبلوماسية قد تعمدت تسريب معلومات عن ضرورة إنجاز هذا الإستحقاق، قبل الوصول إلى مرحلة التسويات على مستوى المنطقة.
من وجهة نظر هذه المصادر، ما تقدم يقود إلى معادلة أن البلاد ستكون، خلال فترة قصيرة، على موعد مع مفاوضات شاقة، لن تقل حماوتها عن المواجهات القائمة في الجبهة الجنوبية، على إعتبار أن جميع الأفرقاء، في الملفين، لن يكونوا في وارد تقديم تنازلات بسهولة، بل على العكس من ذلك هم، نتيجة التطورات الراهنة، سيتمسكون بمواقفهم أكثر من الماضي، لا سيما أن الجميع ينتظر ما ستكون عليه تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزّة، بعد إنتهاء الحرب، على المنطقة برمّتها.
في هذا الإطار، تدعو مصادر نيابية متابعة، عبر "النشرة"، إلى عدم التقليل من معادلتين برزتا بشكل كبير، في الأيام الماضية، الأولى تتعلق بالمخاوف التي عبرت عنها بعض قوى المعارضة، من حصول مقايضة بين الإستحقاق الرئاسي وتطبيق القرار 1701، بالرغم من نفي رئيس المجلس النيابي وجودها أو القبول بها، أما الثانية فهي تلك المتعلقة بربط هذا الإستحقاق بإنتهاء الحرب في غزة، التي كان قد أشار إليها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
وتلفت المصادر نفسها إلى واقع حضور "حزب الله" القوي في المعادلتين، على إعتبار أنه المعني الأول في أي ترتيب يتعلق بالأوضاع في الجنوب، بعد إنتهاء الحرب في غزة، كما أنه من أبرز الأفرقاء المقررين في الإستحقاق الرئاسي، في ظل تمسكه بترشيح رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، حيث من المستبعد أن يقدم على أي تراجع، في هذا المجال، في وقت قريب، بسبب ما كشفته الأحداث الراهنة من وقائع جديدة.
في المحصلة، على الرغم من تأكيد هذه المصادر إنطلاق المفاوضات حول الملف اللبناني، في الأيام المقبلة، إلا أنها تستبعد الوصول إلى نتائج في وقت قريب، بسبب التداخل الكبير في الملفّات، بالإضافة إلى عدم وضوح الرؤية حول المستقبل، خصوصاً أن جميع الأفرقاء لم يخرجوا من مرحلة رفع سقوف التفاوض، ما يعني أن البلاد ستبقى في مرحلة الإنتظار التي قد تطول، لا سيما إذا لم ينته العدوان على غزة في وقت قريب.