يدور الكثير من الكلام عن بدء العد العكسي لتحويل بنيامين نتنياهو الى رئيس وزراء سابق، اي بمعنى آخر الاطاحة به (سلمياً بالطبع)، من قبل المجتمع الاسرائيلي، واستبداله على الارجح، بزعيم المعارضة يائير لابيد. وفي حين ان المسألة لا تزال مجرد كلام، الا انه يوماً بعد يوم، تزداد فرص حصول هذا السيناريو، وما يسرّع امكان حصوله بشكل خاص عاملان اساسيان: الولايات المتحدة الاميركية وجنود الاحتياط.
لا يختلف اثنان على ان واشنطن هي الراعية الاهم لاسرائيل، والمدافعة الاولى عنها في العالم، واحدى اهم ركائز بقائها في الشرق الاوسط. ولكن الادارة الاميركية الحالية باتت على خلاف واضح مع نتنياهو حول الحرب على غزة، فهي ترغب في التخلص من تداعياتها مع اعطاء "صك براءة" لاسرائيل على كل ما قامت به حتى الآن (اكثر من 22 الف قتيل وآلاف الجرحى وحجم هائل من الدمار)، انما مع ضرورة التخلص من نتيناهو ايضاً. وقد اعربت اميركا عن استعدادها للاستمرار بتمويل الجيش الاسرائيلي بالذخائر والاسلحة من دون حدود، والمساهمة الفاعلة في كسر حدة الخسائر الكبيرة على الصعيدين الاقتصادي والمالي، ليس محبة بالفلسطينيين او بالعرب حتماً، بل لتفادي الانزلاق الى المشاركة الميدانية في حرب اوسع وتجييش الرأي العام الاميركي على الادارة السياسية مع تسارع التحضيرات للانتخابات الرئاسية. واصبح معلوماً ان نتنياهو هو العائق الاساسي امام هذه الاهداف الاميركية، لذلك لم يعد هناك من كيمياء بين الطرفين، ولا بد لاحدهما ان يخرج من الصورة. ومن المرجح ان يخسر رئيس الوزراء الحالي معركته، فهو يتعرض لانتقاد شبه يومي من المعارضة ومن لابيد بنوع خاص، كما ان الشارع الاسرائيلي يحمّله بوضوح مسؤولية ما حصل والفشل في ضمان سلامة الاسرى الاسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية، وهو امر بالغ الاهمية لا يمكن تجاهل مفاعيله، ناهيك عن الضربة القضائية الاخيرة التي تلقاها والمتمثلة بإبطال المحكمة العليا الاسرائيلية البند الرئيسي في القانون الذي اقرته حكومة نتنياهو وينص على حرمان السلطة القضائية من الحق في الحكم على "معقولية" قرارات الحكومة، أو الكنيست، والذي كان يسمح بحرية اكبر للحكومة. هذه الخطوة دليل مهم على ان "مراعاة" رئيس الحكومة لم تعد قابلة للطرح، حتى في خضم الحرب الدائرة، ولا يمكن عدم رؤية بصمات الاميركيين في مثل هذه الخطوات الصغيرة ذات المفعول الكبير.
واضافة الى الجهود السياسية والدبلوماسية المبذولة اميركياً للاطاحة بنتنياهو، هناك مشكلة ميدانية صبت في صالحهم، وتتمثل في عدم جهوزية وقدرة جنود الاحتياط على التعاطي مع هذا النوع من الحروب، ان في قطاع غزة او على الحدود الجنوبيّة للبنان حيث عناصر حزب الله. وما لم يقله المسؤولون الاسرائيليون، تضج به وسائل الاعلام الاسرائيليّة، بعد الاصابات التي تعرضت لها الوحدات القتالية الرئيسية للجيش ومنها على سبيل المثال لا الحصر، لواء غولاني ولواء جفعاتي، والكوارث التي يتسبب بها الاحتياطيون الذين انضموا الى وحداتهم من الحياة المدنيّة ومعظمهم من خارج اسرائيل، حيث كانوا يعيشون حياة بعيدة عن المشاكل الامنية والمتطلبات العسكرية، وهم توّاقون لاستعادة النمط الطبيعي لحياتهم من جديد. وتشكل عملية اعادة الانتشار والانسحاب من بعض الاراضي في غزة، الدليل الدامغ على عمق المشاكل التي يعاني منها الجيش الاسرائيلي، والتي تمنع تحقيق مكاسب مهمة توضع في يد نتنياهو للاستفادة منها. ولولا السيطرة الاسرائيلية على الجو (الذي امنته لها الولايات المتحدة ضمن ما يسمى ميزان القوى في المنطقة)، لكان الحديث عن سنوات وليس اشهر لتحقيق الاهداف الموضوعة، فالصورة واضحة للعيان ان كل الضربات التي تلقتها "حماس" لم تبطل تحركاتها ونشاطاتها العسكرية، بعد ان استعملت اسرائيل كل انواع الاسلحة (ما عدا السلاح النووي)، وهذا بحد ذاته خيبة امل كبيرة لنتنياهو وللاسرائيليين بشكل عام.
ويعتبر البعض ان عدداً من الوزراء اصبحوا قلقين من جدّية التحركات لضمان عدم بقاء رئيس الحكومة في منصبه، فعمدوا الى الابتعاد عنه، او الايحاء بعدم التجانس معه، وخصوصاً بالنسبة الى المرحلة التي ستلي الحرب على غزة، والتي يريدها نتيناهو رمادية وغامضة لتبرير بقائه في منصبه، فيما يصرّ الاميركيون على ان تكون ناصعة الوضوح لانه لا يمكن الاستمرار على هذه الوتيرة بعد اليوم، ويجب معرفة ما يحضره الاسرائيليون لما بعد الحرب. وكل ذلك يشير الى ان بدء العد العكسي لرحيل نتنياهو قد بدأ، فمتى ينتهي؟.