كلّ المؤمنين واحد أمام الله، بغضّ النظر عن الفوارق في الأصل أو المكانة الاجتماعية أو الجنس، أو أية فوارق أخرى، "لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ: لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ"(غل ٣: ٢٧-٢٨).
ما ورد عند بولس الرسول لأهل غلاطيّة، لا يعني الإشارة بأنّ المسيح وشاح تستطيع لبسه ثمّ خلّعه. ما قصده، بأنّك إن اعتمدت بالمسيح فأنت صرته، وهو صارك، تلك هي الإشارة الجوهريّة التي لم يفهمها الكل، بل قلّة عزيزة أدركت عمق هذا القول.
من رحم الكنيسة يولد كلّ المؤمنين. فجرنُ المعموديّة يُدعى كنسيًّا رحم الكنيسة. من هناك نأتي. من هذا الزرع المقدّس. هذه هي قوّة المسيحيّة المنبثقة من جرن المعمودية. إذ منه يلبسُ المعمّد المسيح. هذه هبة من الله لنا. من هنا، ليس كلّ معمّد مستحقًا لمعموديته، هذا من باب التوّصيف، لا من باب الدينونة أو الادانة.
تاليًا، المسيحيّون ليسوا جماعة سياسيّة أو مجموعة متعصّبين. المسيحيّة هي المسيح المتكلّم في الكنيسة وفي البيت والعائلة، وفي كلّ مكان. المسيحي المستنير بنور المعمودية، هو الذي يتكلّم بلطف ومحبّة مع الناس، ولا ينقاد إلى الغرائز والاستزلام والتبعية العمياء. المسيحي اللابس للمسيح، هو الذي يخضع فقط لكلمة الحقّ، لأنكم "تَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ" (يو ٨: ٣٢). مَن يعرف الحقّ ويثبت فيه، أي يعرف السيّد المسيح ويقتنيه، يتحرّر من عبودية الخطيئة، ويصير له فكر المسيح المتناغم مع إرادة الله.
الذين لبسوا المسيح، مدعوون، في عيد الظهور الإلهي (عيد الغطاس)، ألاّ يهمّشوا المسيح في حياتهم، ولا أن يجعلوه صورة معلّقة على حائط، بل ان يجعلوا من ذواتهم ايقونات حيّة تتمشى بين الناس، بالأقوال والأفعال معًا.
المسيحيّة ليست طائفة، إنّها سرّ المسيح في العالم. إنها جماعة الحبّ الذي ترجمه يسوع على الصليب، إنها مذبح الفقراء والبؤساء، الذين لا نرذلهم. المسيحيّة الصاعدة من جرن المعمودية، ديانة المحبّة والغفران، ديانة الطهارة والقداسة، ديانة العطاء وبذل الذات في سبيل الآخرين، الذين عندهم يسكن المسيح. من هنا يأتي العتب على أتباع المسيح، الذين يجاهرون بمسيحيتهم، وهم عائشون في العدائية والحقد والكراهية، في النجاسة والكفر والإلحاد... فأيّة مسيحية هذه؟.
في عيد الظهور الإلهي أدعو الذين اعتمدوا بالمسيح ألا يزدروا المسيح، الذي افتدانا من لعنة الناموس وحرّرنا بدمه الكريم، وألا يمزّقوا جسده بخلافاتهم، لأن المسيح كامل وواحد فينا، بل سيروا في نور المعمودية ما دام لكم نهار، وما دام لكم هذه النّعمة. في هذا العيد جدّدوا معموديتكم والبسوه، وانطلقوا نحوه لتصيروا به واحدًا أبدًا.