رأى رئيس لجنة المال والموازنة النّائب ابراهيم كنعان، أنّ "هذه الحكومة كسابقاتها، تعيش في عالم آخر، ولم تتعلّم شيئًا من التّجارب السّابقة، لاسيّما الانهيار المالي والاقتصادي الّذي أتى نتيجة دفن الحكومات المتعاقبة رأسها في التّراب، وصمّ الآذان على رقابة وتوصيات لجنة المال منذ العام 2010".
وأشار، في حديث إلى صحيفة "الجمهوريّة"، تعليقًا على مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2024، إلى "أنّنا عمليًّا مجدّدًا أمام ميزانيّة لا موازنة، فهي دفتريّة تشغيليّة لا رؤية فيها سوى زيادة إيرادات الخزينة، بغضّ النّظر عن الوضع الاقتصادي الحالي، وذلك من خلال زيادات عشوائيّة لغرامات وضرائب ورسوم؛ بالإضافة إلى اعتمادات غير واقعيّة للرّواتب والخدمات الأساسيّة المطلوبة. ناهيك عن المخالفات الدّستوريّة والقانونيّة، وأبرزها السّلفات الّتي تخفي موازنات مقنّعة خارج القانون".
ولفت كنعان إلى "أنّنا حاولنا أوّلًا معالجة فوضى الزّيادات في الرّسوم والضرائب والغرامات، فألغينا ما تمّ استحداثه منها ولم يكن موجودًا من قبل. ووحّدنا معايير الزّيادات على ما هو موجود منها، ربطًا بانهيار الليرة اللبنانية، كما اعتمدنا مؤشّر التضخم الّذي يحدّده مصرف لبنان كأساس".
وأوضح أنّ "كمِثال على ذلك، رسم تسجيل التّاجر أو المحل التّجاري رُفع 25 ألف مرّة في المشروع الحكومي، وشركة الأشخاص 50 ألف مرّة، وشركة الأموال 150 ألف مرّة، وتتضاعف هذه الرّسوم إذا كانت على أجنبي، ما يدلّ إلى غياب الرّؤية الاقتصاديّة الّتي تقتضي في هذه الظّروف الصّعبة بتشجيع الاستثمار وتوسيع الاقتصاد واستجلاب رؤوس الأموال".
كما بيّن أنّ "هذا إذا ما تحدّثنا عن ضرب غرامات السّير بـ10 أضعاف، وغرامات أخرى مختلفة غير محدّدة بـ40 ضعفًا، وزيادة رسوم على الصّناعة الوطنيّة مثل النّبيذ والعرق والبيرة بـ186 ضعفًا!"، مركّزًا على أنّ "هذه أمثلة بسيطة، وهناك الكثير غيرها في المشروع الحكومي، قمنا بمعالجتها وتوحيدها استنادًا لنسبة التّضخّم. ناهيك عن معاقبة الّذين لم يصرّحوا وإحالة قسم منهم على النيابات العامّة، وحجز أموالهم وممتلكاتهم، بينما الكل يعلم وضع الإدارة ودوائر الدّولة المعطّلة إلخ… وهذه كلّها إجراءات تمّت معالجتها وتعديلها، ويتمّ ترتيب المواد وإعادة صياغتها وفقًا لقرارات لجنة المال والموازنة".
وعمّا اذا كانت وزارة المال تقبّلت كلّ هذه التّعديلات، أكّد كنعان أنّ "هناك تعاونًا من قِبل الوزارة حتّى الآن للتّصحيح، وآمل أن يستمرّ لمصلحة المواطن والاقتصاد الوطني. أمّا في مسألة الإيرادات، فبالاضافة إلى أنّها لا تتأمّن فقط من زيادة الضّرائب والرّسوم، لاسيّما في ظلّ انهيار اقتصادي كبير كالّذي نعيشه اليوم، فإنّ مشكلة وزارة الماليّة أو الإدارة الماليّة بشكل عام، هي عدم وجود شفافيّة بالإنفاق من قِبل الحكومات (سلفات الخزينة غير القانونيّة الّتي تخفي موازنات غير شرعيّة ومقنّعة) والأرقام غير الدّقيقة والصّحيحة، وذلك منذ التّسعينيّات"، مذكّرًا بـ"معضلة قطوعات الحسابات المرفوضة منذ التّسعينيّات، الّتي اكتشفتها لجنة المال وتابعتها منذ 2010".
وشدّد على أنّه "لو تمّ إعداد الموازنة بشكل صحيح فلا عجز برأيي في الموازنة، نظرًا لما تبيّن لنا من زيادات في الإيرادات. وأعطي مثالًا على ذلك، إدارة الجمارك الّتي وصلت الإيرادات المحصّلة فيها في العام 2023 على أساس دولار جمركي غير موحّد، إلى 1400 مليار دولار، والمبلغ سيتصاعد في العام 2024".
وأفاد بأنّه "ستُضاف إلى هذه الإيرادات، إيرادات العقاريّة المعطّلة في جبل لبنان ومناطق أخرى، إضافةً إلى الأملاك المبنيّة وضريبة الدّخل على الشّركات. وهي سلّة تؤمّن مليارَي دولار، تُضاف إليها رسوم المطار بالفريش"، مشيرًا إلى "أنّنا اليوم في صدد إعادة احتساب الإيرادات على مختلف أنواعها بالتّعاون مع الماليّة، وعصر بعض النّفقات ومعالجة الاحتياطي المضخّم في مشروع الحكومة…".
إلى ذلك، أكّد كنعان أنّ "ما قمنا به في لجنة المال، وإذا ما تمّ استكماله في الهيئة العامّة، يمنع صدور موازنة الحكومة الكارثيّة كما أُحيلت ومن دون تعديلات اللّجنة الماليّة. وهذا يتطلّب تحمّل جميع الكتل النّيابيّة مسؤوليّاتها تجاه المواطن والاقتصاد الوطني، بعدما قمنا بواجبنا على مدى شهرين ونصف الشّهر من الجلسات المتلاحقة والتّدقيق الجدّي، في ظلّ الإمكانيّات المتوفّرة والظّروف الصّعبة".