شكلت الضربة الايرانية الاخيرة على معقل الموساد في مدينة اربيل شمال الجمهورية العراقية محط تضارب في المواقف السياسية لدى الاوساط العراقية السياسية منها والشعبية .
فالبعض اعتبر ان ايران بضربتها هذه استوفت حق الرد على مجزرة كرمان عند احياء ذكرى قاسم سليماني، وفي الوقت نفسه قدمت حضوراً عملياً في الميدان يعتبر الاول من نوعه منذ انطلاق عملية طوفان الاقصى في السابع من تشرين الاول الفائت، وبعد مرور مئة يوم على الحرب المستمرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والتي تجاوز عدد شهداء المجازر الاسرائيلية فيها 25000 جلهم من النساء والاطفال، اضافة الى الدمار الهائل في البنية التحتية وانقطاع وسائل العيش والمواد الطبية نتيجة للحصار المفروض على القطاع منذ سنوات ولكنه اشتد بظلامة غير مسبوقة في ظل الحرب الاخيرة.
فكانت الضربة الايرانية على معقل الموساد بمثابة الخبر السار لدى محور المقاومة بالمنطقة، حيث ما برح يقوم بجبهات اسنادية من لبنان واليمن والعراق والان حضور ايران الميداني.
الا انه وعلى الرغم من هذا التقدم النوعي في الجبهات الاسنادية لغزة، رغم عدم اعلانه ايرانياً، فان موقف الدبلوماسية العراقية جاء معترضاً واعتبره انتهاكاً صارخاً لسيادة العراق، وعليه اصدرت وزارة الخارجية بيان استنكار، وقامت باستدعاء القائم بالاعمال الايراني في العراق نصير عبد المحسن وسلمته مذكرة احتجاج ادانت فيها الاعتداء على اربيل.
قد يعتبر اي شخص شعبوي مؤيد لمحور الممانعة ومبتدئ او جاهل في السياسة، سيما السياسة الخارجية للدول، ان هذا الاجراء العراقي اما انه مشبوه او بالحد الادنى غير مدروس، فيتساءل كيف تعترض الحكومة العراقية على ضربة اصابت معقل الموساد الاسرائيلي في اربيل في ظروف مفصلية تمر بها غزة والمنطقة تستدعي تضافر جهود دول الممانعة وحركاتها التحررية للضغط بكافة الوسائل العسكرية المتاحة بغية وقف المجازر في غزة؟.
ولكن في الحقيقة ان استدعاء القائم بالاعمال الايرانية وايداعه مذكرة الاحتجاج، له حكمته الاقليمية التي تحمل منفعة لكلا البلدين ( ايران والعراق) والمنطقة، وكذلك له ظروفه العراقية الداخلية وهو في النهاية حق مشروع للدولة ذات الاقليم.
فبالنسبة للحكمة من الاستدعاء هو عدم اعتبار جمهورية العراق ساحة غير منضبطة سياسياً وامنيا على غرار الساحة السورية التي تعاني منذ عام 2011 من الغارات العسكرية والاعتداءات من غير دولة اقليمية وغربية دون اعتراضات دبلوماسية، فلذلك يأتي هذا البيان في اطار كبح مسار سورنة العراق، فإن مرور الضربة دون استنكار دبلوماسي عراقي سيفتح المجال في وقت اخر لضربات من دول اخرى كما حال سوريا فينقلب العراق الى ساحة صراع دولي عسكري غير محدود ولا محمود لا لدى العراق ولا لدى ايران ولا لدى محور الممانعة في المنطقة، فجاء بيان الاستنكار كأداة دبلوماسية عاجلة لوقف تدهور الامور في حرب اقليمية لم تستطع الولايات المتحدة الاميركية ولا اسرائيل اعلانها حتى الان .
وكذلك ارادت الخارجية العراقية كما يريد المحور عدم انطلاق مبدأ وحدة الساحات بشكله الرسمي (الدول) ابتداءً من جانب محور الممانعة من الناحية العسكرية، وعملت الخارجية العراقية على اظهار ان الوضع القانوني الدولي بين العراق وايران كدولتين ذوات حدود دبلوماسية لم ينصهرا في وحدة اقليم عسكري لانه ليس هناك حرباً معلنة اقليمياً ودولياً على البلدين، اي عدم الانجرار لاحادية محورية عسكرية لان ليس هناك حرباً اقليمية معلنة تستدعي ذلك.
اما من جهة الظروف العراقية الداخلية، فان العراق دولة اتحادية (فدرالية)، ولطالما شكى اقليم كردستان (الاكراد) من اهمال الحكومة الاتحادية في الشؤون السيادية، ولذلك يسعى الاكراد منذ عام 2005 (دستور العراق الجديد) الى المطالبة بانفصال اقليم كردستان عن العراق، لتمتعهم كأمة بالقومية الكردية من جهة وعدم تجانسهم مع الحكومة الاتحادية من جهة اخرى، ولم يفوت الاكراد فرصة للمطالبة بالانفصال الا واستغلوها، فهنا خشية وحكمة حكومة محمد شياع السوداني كحكومة اتحادية للعراق باكمله بالاسراع في الاستنكار الدبلوماسي عبر وزارة الخارجية العراقية على الضربة الايرانية على اربيل التي تعتبر عاصمة اقليم كردستان وعاصمة اكراد العراق، حققت الاحتضان الحكومي المركزي لاكراد العراق حتى ولو على حساب ايران التي لا تربطها معهم معاهدة وحدة ساحات واقليم واحد، واعتبرت ان الكردي مواطن عراقي تسمو مصلحته على الاخرين في ظل عدم وجود معاهدة تحول دون ذلك، فقطعت الطريق امام استغلال الضربة كردياً والتحجج بعدم رعاية الحكومة الاتحادية للاكراد وتركهم لمصيرهم فلا لهم دولة خاصة بهم ولا لهم حكومة اتحادية تتحرك للدفاع عنهم والاعتراض لاجلهم، عندها يطالبون من مبدأ ميثاق الامم المتحدة في حق الشعوب بتقرير مصيرها بدولة كردية مستقلة هي تعرف كيف تحمي نفسها بنفسها، الا ان بيان الخارجية العراقية وأد ايضاً تجدد هذه الازمة في هذه الظروف الاقليمية.
في الختام ان الحق الدبلوماسي والحكمة السياسية للحكومة العراقية كبحت ازمتين في بيان واحد.