لم يكفِ الرّب يسوع ما أصابه من آلام وجروحات على الصليب، إذ زادت جروحه وآلامه الانقسامات التي حصلت في الكنيسة عبر العصور. هذه الحرّية التي منحنا إياها الناصري، ترجمتها في بعض الأحيان الرئاسات الروحيّة عبر التاريخ، انشقاقات واختلافات متنوّعة. منها ما هو عقائدي، ومنها السياسي، ومنها الثقافي والحضاري، ومنها التكابر، ومنها السلطوي…
تأتي هذه السطور، بينما الكنائس المسيحيّة، ترفع الصلاة من أجل وحدتها. وقد قامت، في أماكن مختلفة، خِدمٌ وصلوات على هذا الرجاء، مع الدور الفعّال الذي يلعبه مجلس كنائس الشرق الأوسط.
أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس، الذي يتكرر كل عام، في سبيل العودة إلى الوحدة، كما الله أرادها، أمرٌ مبارك. مجرّد اللقاء والصلاة، خطوة أساسية في كسر التباينات والاختلافات، والقول بأننا نعبد الله الواحد، رغم تنوّعنا.
طبعًا هناك اختلافات كثيرة، لست بوارد التطرّق إليها، لكني أنظر إلى واقع العلمانيين، الذين تخطّوا الحواجز العقائدية، ويعيشون شيئًا من الوحدة، رغم أن القوانين والعوائق ما زالت قائمة في قاموس الكنائس.
رغم هذه الانشقاقات، يبقى على الصعيد المحلّي بعض الرجاءات. بات الإحترام قائم بين الكنائس، والحوار متقدمًا فيما بينهم، نتيجة اللقاءات الدورية والمؤتمرات والحلقات الحواريّة، بالإضافة إلى الزيجات المختلطة التي قرّبت المسافات. كذلك بات المؤمنون أكثر انفتاحًا بين بعضهم البعض، نتيجة التعرّف على كنوز هذه الكنائس وتاريخها وعقائدها، والخروج من حالة التقوقع والانعزال.
نحن في هذه المنطقة تحرّرنا كثيرًا من هذا الانغلاق، ونعيش أجواء ثقة، ولكنّنا نحتاج إلى توعية كبيرة ليفهم كلّ منّا حقيقة كنيسة الآخر.
في الماضي القريب، لم يكن من مشاركة في أيّة احتفاليّة صلاة، خصوصًا على صعيد الأساقفة والكهنة. في حين أن اليوم بتنا نتشارك ونشارك، في بعض الخدم، ولا سيما المآتم والأعراس، ويُعطى لكل كاهن دورٌ معينٌ في الصلوات. كما أن موضوع المناولة الأولى لم يعد الزاميًا في المدارس، وسياسة الاقتناص تحجّمت، إلا عند بعض الجماعات التي لا تريد الإنصياع إلى القوانين الكنسيّة.
طبعًا الوحدة الكاملة تتجسد في مشاركة بعضنا في القرابين المقدّسة. حتّى تتّم شراكة الكأس المقدّسة، علينا معًا بالصلاة، وخدمة الفقراء، ومواجهة التدنّي الأخلاقي والشذوذ الفكري والجسدي، والحفاظ على الهويّة المشرقية، وحثّ أبنائنا على البقاء في وطنهم، ومنع بيع الاراضي والبيوت، وأن تلعب الكنائس دورها الفعّال في ذلك، مع الاستمرار في الحوار، علّنا نصل يومًا إلى ما ابتغاه الرّب، "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي" (يوحنا ١٧: ٢١)، عندها تدمل جروحات المسيح، المتألّم دائمًا لانقساماتنا.