أكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أنّه "يجدر بكلّ مسؤول في الدّولة أن يدرك أنّه وكيل أقامه الشّعب والدستور لخدمة الخير العام، الّذي منه خير كلّ مواطن وجميع المواطنين. فإن لم يدرك أنّه وكيل، وإن لم يعتنِ بتأمين الخير العام في قطاع مسؤوليّته، يكون خائنًا لمسؤوليّته والمواطنين الموكلين إلى عنايته".
وشدّد، خلال ترؤّسه قدّاس الأحد في كنيسة الصّرح البطريركي في بكركي، على أنّ "لبنان بأمسّ الحاجة اليوم إلى مثل هؤلاء المسؤولين الكبار بقلبهم ومحبّتهم وتفانيهم وتجرّدهم وكِبر نفسهم وروح الخدمة المتجرّدة من كلّ أنانيّة ومكسب شخصي أو فئوي"، مركّزًا على أنّ "قصر بعبدا الرّئاسي بحاجة إلى مثل هذا الرّئيس- المسؤول. ونشكر الله أنّ في الطائفة المارونية شخصيّات معروفة بوضوح من هذه النّوعيّة من المسؤولين".
وناشد الرّاعي، رئيس المجلس النّيابي "للمرّة المئة، أن يدعو منذ الغد نوّاب الأمّة إلى عقد جلسات متتالية وانتخاب مثل هذا الرّئيس، بموجب القاعدة الدّيمقراطيّة الدّستوريّة، من دون أن ينتظروا من الخارج أيّة إشارة لاسم أو أي شيء آخر من حطام الدّنيا".
وأشار إلى أنّ "انتخاب الرّئيس هو الواجب الأوّل الملقى على ضميرهم الوطني وعلى نيابتهم بحكم الدّستور. أمّا الاستمرار في الإحجام عن هذا الواجب، فهو خيانة واضحة لثقة الشّعب الّذي وضعها فيهم يوم انتخبهم. ونرجو ألّا تتمّ فيهم المقولة الثّابتة: "من اشتراك باعك".
كما أضاف: "كفى إقفالًا لقصر بعبدا الرّئاسي! كفى إقصاءً للطّائفة المارونيّة، وهي العنصر الأساس في تكوين لبنان!"، وتوجّه إلى نوّاب الأمّة، قائلًا: "قوموا بهذا الواجب الموكول إليكم من الشّعب والدّستور، وانتخبوا رئيسًا للدّولة لكي تقوم من حالة نزاعها وتفكّك مؤسّساتها، وعلى رأسها مجلسكم النّيابي الفاقد صلاحيّة التّشريع، والحكومة فاقدة الصّلاحيّات الإجرائيّة. كفّوا عن هرطقة "تشريع الضرورة"، و"تعيينات الضّرورة"، واذهبوا إلى الضّرورة الواحدة والوحيدة وهي انتخاب رئيس للدّولة، فتستعيد كلّ مؤسّساتكم وممارساتكم شرعيّتها".
وذكر الرّاعي أنّ "لبنان دولة عمرها مئة سنة ونيّف، اكتسب خلالها كرامةً واسمًا مشرّفًا بين دول العالم. فكونوا على مستوى هذه الكرامة، وأعيدوها إلى لبنان الكبير بقيمه، وإلى شعبه الكبير بكرامته"، لافتًا إلى أنّ "بانتخاب رئيس الجمهوريّة، ينتهي الخلاف والمقاطعة في مجلس النّواب من جهة، لكونه بموجب الدّستور هيئة ناخبة لا اشتراعيّة منذ فراغ سدّة الرئاسة (سنة وثلاثة أشهر)، وفي مجلس الوزراء من جهة ثانية، لكون المادّة 62 من الدّستور "تنيط صلاحيّات رئيس الجمهوريّة وكالةً بمجلس الوزراء".
وأوضح أنّ "الوكالة معطوفة إلى القانون 871 من قانون الموجبات والعقود، تقتضي أن يوقّع جميع الوزراء لا رئيس الوزراء وحده في هذه الحالة، فالموضوع يختلف عن إجراءات مجلس الوزراء العاديّة"، مبيّنًا أنّ "هكذا يزول الخلاف والمقاطعة الحاصلان بسبب الممارسة وتباين التفسير".
وأكّد أنّ "بانتخاب رئيس الجمهوريّة، تُضمن وحدة الوطن كما تنصّ المادّة 49 من الدّستور، فتقف التّهديدات التّرهيبيّة لإسكات كلّ صوت معارض من أجل أهداف مستقبليّة تختصّ بمآرب فئويّة، على حساب الشّراكة الوطنيّة والمساواة والعدالة والحريّة. فهذا سبيل مشين وغير مقبول حفاظًا على الوحدة الدّاخليّة بين مكوّنات هذا الوطن".
إلى ذلك، أشار الرّاعي إلى أنّ "بالأمس، كان العالم يصلّي فيما رُفعت موزاييك القدّيس شربل قرب ضريح البابا الرّاحل بولس السّادس في بازيليك القدّيس بطرس في روما، باحتفال مهيب. إنّنا نرفع صلاتنا إلى الله بشفاعة القديس شربل ابن لبنان وقدّيس لبنان، لكي تتجلّى قدرته الإلهيّة ويخلّص لبنان من أزمة الفراغ الرّئاسي والأزمات النّاتجة، وكي يوقف الحرب في جنوب لبنان وغزة".
وبعد القدّاس، استقبل الرّاعي المؤمنين المشاركين في الذّبيحة الإلهيّة، وقائد الجيش العماد جوزيف عون وعائلته، في زيارة شكر لمواساته لهم بفقدان والدته.