بعد السابع من تشرين الاول الماضي تحولت كل الانظار الى ما يجري من عدوان على غزة، وانعكاسه على كل الاستقرار في المنطقة، وباتت الأولوية لمنع تمدد الحرب على البلدان المجاورة لفلسطين، رغم فتح الجبهات بشكل محدود لدعم الغزاويين والمقاومة الفلسطينية، وعليه انتقلت أهداف الزيارات الدولية الى لبنان من محاولة الوصول الى تسوية سياسية تنهي الفراغ الرئاسي، الى محاولة تهدئة الجبهة الجنوبيّة.
غاب الملف الرئاسي منذ تشرين الأول حتى نهاية العام الماضي، بعدها برزت معطيات جديدة تُفيد بإمكانية حصول تطورات استراتيجية في لبنان ربطاً بالتبدلات التي ستحصل في المنطقة نتيجة الحرب، لذلك عاد الملف الرئاسي الى الواجهة من باب ضرورة تشكيل سلطة جديدة في لبنان تواكب التفاوض حول مستقبل الحدود، وهكذا عاد البحث من جديد في هذا الملف.
يوحي تحرك سفراء الدول الخمس في اللجنة الخماسية بأن جديداً طرأ على ملف الرئاسة، لذلك ظهر التحرك على مستوى السفراء مباشرة بعد عودة السفير السعودي إلى لبنان، الذي التقى أمس السفير الإيراني في بيروت في منزله، بالتزامن مع تحركات المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان على الدول العربية داخل الخماسية، والبحث عن موعد قريب ومكان لانعقاد الخماسية التي سيصدر عنها كلاماً واضحاً بخصوص المواصفات التي ينبغي أن تنطبق على الرئيس الجديد. ولكن كل هذا لا يكفي.
إذا، الأكيد أن "الخماسية" في طور الذهاب إلى مواقف أكثر وضوحاً في الأيام المقبلة، لا سيما بعد الإجتماع الذي من المفترض أن تعقده اللجنة، بالتزامن مع حديث متكرر عن ضرورة الذهاب إلى الخيار الثالث، ومن المعروف أن الإسم المفضل للخماسية ولو لم يُطرح بشكل علني هو إسم قائد الجيش جوزاف عون، وهو ما لا يزال يلقى رفضاً من التيار الوطني الحر، وضبابية في موقف الثنائي الشيعي.
بالنسبة إلى قوى الثامن من آذار، هي لا تزال عندها موقفها، أي التمسك بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، في حين أن قوى المعارضة لا تزال تخشى الذهاب إلى مقايضة بين الملف الرئاسي والأوضاع الجنوبيّة، لذلك يعمد المعارضون، بدل تسويق إسم مرشحهم للرئاسة، التعبير عن رفض التصويت لمرشح الفريق الآخر، وهو ما يعني وجود قلق جدي داخل هذا الفريق من حصول مقايضة ما في الملف الرئاسي.
يسعى الخارج لإنضاج تسوية رئاسية تواكب ما يجري في المنطقة، ويحاول أيضاً فصل مسار الرئاسة عن واقع الجبهة الجنوبيّة المشتعلة، وهو ما يُعتبر بحسب بعض المعنيين غير ممكن، خصوصاً أن نتائج العدوان على غزة سيكون لها تداعيات على مستوى المنطقة برمتها، ومن هنا يكون أمام الملف الرئاسي عقبات كبيرة يجب حلها قبل الوصول الى خاتمة سعيدة، هي أولاً، الحرب على غزة والمعركة على جنوب لبنان واحتمال توسعها الى حرب، ومدى القدرة على الفصل بين الملفين، أو مقاربتهما بطريقة منفصلة ولو بشكل غير مباشر، ثانياً معضلة المرشح التوافقي الذي تريده الخماسيّة أن يكون العماد جوزاف عون، وكيفية تحقيق التوافق حوله، ثالثاً تمسك رئيس تيار المردة بترشيحه وتمسك الداعمين له بهذا الترشيح، رابعاً الثمن الذي قد يحصل عليه حزب الله بحال مضى بفصل الملفات والقبول بمرشح غير فرنجية، رغم أنه ليس بهذا الوارد اليوم ولا يرغب بمناقشة أيّ ملف قبل اتضاح مسار الحرب على غزة.
لا يمكن بأي شكل انتخاب رئيس دون التطرق لواقع الحدود والحرب في المنطقة، ولو أن نتيجتها لن تنعكس على الإسم بشكل مباشر، الا أنّ الملفّات باتت مترابطة، والتسوية المنتظرة لا يكفيها بيان للخماسية بخصوص المواصفات، ولا حتى رغبة عاطفية بإنهاء الفراغ، حتى ولو أن باقي التفاصيل الأساسيّة للتسوية لن تخرج الى العلن على شكل بيان، إنما نتائج سنشاهدها تباعاً.