في مسجد الإمام علي في الطريق الجديدة في بيروت، تم تشييع الشيخ صالح العاروري ومن قضى برفقته، بحضور آلاف الفلسطينيين واللبنانيين الذين حملوا اعلام حركتي حماس والجهاد الاسلامي، وهتفوا لغزة والمقاومة، وهو ما لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، حيث لم يكن المشهد معتاداً منذ العام 2005، يوم اغتيل رفيق الحريري، وتبدّل كل شيء.
انهارت المظلة الدولية العربية التي كانت تُظلل الوجود السوري في لبنان، فخرجت سوريا وبدأت المنطقة تتجه نحو صراعات مذهبية بدأت في شبه الجزيرة العربية ووصلت الى بيروت التي انفجرت في 7 أيار 2008 بسبب مشاريع مشبوهة.
بعدها كان الموعد مع الحرب على سوريا وما أنتجته من تعميق للصراع المذهبي بين السنة والشيعة، الأمر الذي اعكس معارك وصراعات في لبنان لم تُشعل حرباً بسبب قيادة حكيمة على رأس الطائفة السنية، وحكيمة أكثر على رأس القيادة الشيعية، وهو ما كان يشكل تناغماً متكاملاً بين سعد الحريري ونبيه بري.
غاب سعد الحريري فتُركت الساحة السنية أمام محاولات السيطرة عليها، تارة من أحزاب من خارج الطائفة، وتارة من شخصيات داخلها، فكانت الانتخابات النيابية الامتحان الأول الذي ثبُت بنتائجه سقوط كل المحاولات. اليوم تشعر الطائفة السنية بالضياع وإن وجدت بعملية طوفان الأقصى عنواناً يُعيد لها بعض بريقها المفقود، ووجدت بزيارة سعد الحريري الى لبنان بعد أيام لإحياء ذكرى استشهاد والده، فرصة للتجمع والتجمهر ورفع الصوت، لعلّه يصل لمن يعنيهم الأمر فيعود الحريري الى بيروت، ولذلك فإن الفراغ زاد الشوق للحريري.
على الرغم من مرور عامين على قرار رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الإبتعاد عن المشهد السياسي اللبناني، إلا أن هذا لا يلغي معادلة أن الرجل لا يزال حاضراً بقوة، خصوصاً أن جميع محاولات إنتاج بديل له على الساحة السنية لم تنجح، بل على العكس من ذلك أثبتت الحاجة القوية له في استحقاقات سابقة، وراهنة.
في هذا السياق، يحاول البعض الترويج لمعادلة أن الأمور "ماشية"، لكن في حقيقة الأوضاع هي ليست على ما يرام، خصوصاً أن المخاوف من تداعيات حالة الفراغ الراهنة تكبر يوماً بعد آخر، وهو ما كرسته الوقائع الناجمة عن العدوان العسكري على قطاع غزة، حيث هناك من يتحدث عن حراك لا يمكن تجاهله في هذه الساحة.
على الرغم من ذلك، لا يبدو أن الجهة التي توجه لها الإتهامات بأنها تقف خلف قرار الحريري، أي المملكة العربية السعودية، في وارد التراجع عن موقفها منه في وقت قريب، فهي اليوم تسعى إلى تكريس حضورها المباشر في مجمل الملف اللبناني، ولكن هناك في المقابل من يؤكد أن العودة السعودية الحالية إلى الملف اللبناني، لا يمكن أن تنجح من دون حليف قوي في الساحة السنية، الأمر الذي سيكون من الصعب إنتاجه في الوقت الراهن، ما قد يدفع إلى العودة للحريري من جديد، ولو أن الحديث عن هذه العودة غير مطروح في دوائر القرار السعودي بعد.
إذاً، يعول محبو الحريري على العودة السعودية الى بيروت، لكي يعود الحريري معها على رأس الحكومة الجديدة، خاصة أن المملكة تولي أهتماماً خاصاً لرئاسة الحكومة، يكاد يفوق اهتمامها بإسم رئيس الجمهورية المقبل، ولكن بحسب معلومات "النشرة" فإن الحريري ليس من ضمن الأسماء التي يتم التداول بها لرئاسة الحكومة المقبلة، وعددها خمسة، ثلاثة منها تملك حظوظاً اكبر من الآخرين، وواحد من هذه المجموعة بات يتقدم بعض الشيء اليوم.