هناك في اسرائيل من يعتقد أن الظروف الراهنة تشكل فرصة ذهبية لشنّ حرب استباقية واسعة ضد قدرات حزب الله في لبنان، فالجيش الاسرائيلي أنهى جزءاً كبيراً من عملياته في غزة، وتم سحب عدد من قواته التي كانت تشارك في المعارك مع حركة حماس في القطاع، ويمكن توجيهها نحو حدوده الشمالية الّتي فرغت المستعمرات فيها من مستوطنيها، والولايات المتحدة الأميركية حاضرة في المنطقة، ولكن هناك من لا يؤيّد هذه الرؤية.
رافضو الحرب ضد لبنان في الكيان يعتبرون أن الجيش منهكاً من حربه على غزة، وقد تعرض لاستنزاف كبير ويحتاج الى أشهر وربما أكثر للتعافي، ويرون أن إخلاء المستوطنات الشمالية ليس حلاً لأن الحرب الواسعة مع حزب الله ستعني أن لا مكان آمن في كل اسرائيل لأنّ صواريخ الحزب تطال كل مساحتها شبرا شبرا، كما يعتبرون أن لا مكان لحرب استباقية كون عامل المفاجأة قد سقط منذ 11 تشرين الأول الفائت يوم كان هناك نية اسرائيلية لشن الحرب.
ما بين هذين الرأيين يستمر الواقع العسكري على ما هو عليه على الجبهة الجنوبيّة في لبنان، وسط مساعٍ أميركية يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين للوصول الى حل دبلوماسي يمنع الحرب، وهو خلال زيارته الاخيرة الى تل أبيب اجرى محادثات وصفها الاعلام الاسرائيلي بالإيجابية، حيث قال : "يوجد بوادر إيجابية للتهدئة بين إسرائيل وحزب الله بعد وساطة أميركية"، فهل تتلاقى هذه الأجواء مع ما قاله رئيس المجلس النيابي نبيه بري حول استعداد لبنان الكامل لتطبيق القرار 1701؟.
بحسب مصادر متابعة، لا ينفصل تصريح برّي عن الأجواء الإيجابيّة التي يتمّ ضخها في وسائل الإعلام الإسرائيليّة، خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها مستشار الرئيس الأميركي آموس هوكستين إلى تل أبيب في الأيام الماضية، حيث تؤكد مختلف المؤشرات أن هناك تقدماً في مكان ما، بالرغم من أن الأمور لم تصل إلى خواتيهما.
من حيث المبدأ، نقطة الإنطلاق الأساسية لهذه الايجابيّة هي عدم وجود رغبة حقيقية في الذهاب إلى توسيع رقعة المواجهات العسكريّة، في حين أنّ التصعيد السياسي والإعلامي يأتي من باب تحسين شروط التفاوض، على قاعدة أنّ كل فريق لا يملك القدرة على الخروج بمظهر المنكسر أو المهزوم.
هنا، يأتي دور الولايات المتحدة، التي تسعى إلى لعب دور الوسيط عبر هوكستين، من خلال تقديم طروحات تقود إلى موافقة الجانبين عليها، إلا أنّ الأمور لا تزال تحتاج لمزيد من البحث، من دون تجاهل عامل الترابط بين هذه الجبهة وتلك القائمة في قطاع غزة، فما تم الاتفاق عليه هو أن لا هدوء على الجبهة الجنوبيّة قبل الهدوء على جبهة غزة، وبعدها فكل شيء سيكون أسهل، وهنا بحسب المصادر يتم الحديث عن مرحلتين للإتفاق، الاولى تتعلق بوقف الاعمال العسكرية وانتشار الجيش اللبناني، وقد بدأ الحديث بشكل تفصيلي عن ذلك من خلال الحديث عن تدريب للجنود وتطويع للعسكريين قد يتمّ تمويله من الخارج، ومرحلة ثانية تتعلق بالترسيم، حيث سيكون على اسرائيل التنازل لأنّ ملف الحدود لا يخضع لتفاوض من أجل الترسيم، بل تفاوض من اجل التثبيت والتحرير.
كل هذه الإيجابيات تبقى رهن "جنون" رئيس حكومة الحرب الاسرائيلية بنيامين نتانياهو الذي لم يعد مصدر قلق للمنطقة وحسب، بل مصدر قلق للإدارة الأميركية أيضاً.