في الأسابيع الماضية، بدا أن الرئيس الأميركي جو بايدن دخل في مرحلة "حرجة"، لا سيما مع إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية، حيث القلق من خسارته هذا الإستحقاق أمام منافسه المفترض الرئيس السابق دونالد ترامب، ما دفعه إلى إطلاق مروحة من التحركات، التي تصب في إطار البحث عن إنجاز في منطقة الشرق الأوسط، يستطيع أن يقدمه في نهاية ولايته الأولى، لا سيما في ظل تراجع شعبيته في الأوساط العربية والإسلامية المؤثرة في العديد من الولايات الحاسمة.
من هذا المنطلق، يمكن فهم الحرص الأميركي على الوصول إلى تسوية سريعة للحرب القائمة في قطاع غزة، بالرغم من العقبات التي لا يزال يصطدم بها هذا الطرح، خصوصاً من الجانب الإسرائيلي، حيث لا يزال رئيس الوزراء بنيامن نتانياهو يسعى إلى تحقيق "إنتصارات" سياسية، تعوض عليه الفشل في تحقيق الأهداف العسكرية التي سبق له أن وضعها، نظراً إلى أن نتيجة هذه المعركة ستحدد مستقبله السياسي.
إنطلاقاً من ذلك، تلفت مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الإدارة الأميركية قررت الدفع بمقترح الإعتراف بالدولة الفلسطينية من جديد، على قاعدة أن هذا الأمر من الممكن أن يكون، إلى جانب إتفاق وقف إطلاق النار، مقدمة لعودة مسار التطبيع بين إسرائيل والدول العربية إلى الواجهة من جديد، حيث التركيز ينصب على إمكانية حصول إتفاق من هذا النوع مع المملكة العربية السعودية، إلا أن الأخيرة، بالرغم من كل ما كان يطرح في الفترة الماضية، اضطرت إلى الإعلان عن موقف حاسم من هذه المسألة، يؤكد صعوبة تحقيق هذا الهدف.
بالنسبة إلى هذه المصادر، بايدن يدفع اليوم ثمن الخلافات، التي كانت تعصف بعلاقاته مع العديد من حلفائه في المنطقة منذ ما قبل عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول الماضي، الأمر الذي يقود هؤلاء إلى عدم التساهل مع التعامل مع ما تتقدم به إدارته من طروحات، وهو ما يظهره في مظهر "العاجز"، خصوصاً أنها كانت قد أبدت رغبة بالإنسحاب من المنطقة، للتركيز على المواجهات التي تخوضها في أكثر من رقعة جغرافية أخرى.
بناء على ما تقدم، ترى المصادر نفسها أن مبادرة واشنطن إلى إرسال موفديها إلى المنطقة بشكل متكرر ليست تفصيلاً بسيطاً، لكنها تشير إلى أن اللافت أنها غير قادرة حتى الآن على بلورة تصور، لا يرضي الأفرقاء المتصارعين بل يرضي حلفاءها على الأقل، بسبب التعقيدات التي باتت تسيطر على المشهد نتيجة التداعيات التي فرضتها عملية "طوفان الأقصى"، حيث بات من الواضح أن المعالجة لا يمكن أن تكون بالطريقة التقليدية.
في الجانب المقابل، تواجه الإدارة الأميركية معضلة أخرى، تتعلق بالعلاقة مع إيران، التي كانت أيضاً سبباً في خلافاتها مع حلفائها في المنطقة، الذين يعتبرون أنها كانت تتساهل بالتعامل مع طهران، بينما هم يدفعون ثمن تعاظم نفوذها الإقليمي.
بالنسبة إلى المصادر المتابعة، العدوان على قطاع غزة كشف عن مشكلة حقيقية لدى واشنطن، تكمن بخسارة صورتها الردعية مع إيران، حيث لم يتردد حلفاء طهران على مستوى المنطقة في إستهداف قواعدها العسكرية، لا سيما في سوريا والعراق، إلى جانب تحرك حركة "أنصار الله" اليمنية في البحر الأحمر، بينما هي، عندما قررت الرد من أجل إستعادة هذه الصورة، بدت ضعيفة غير قادرة على تجاوز الخطوط الحمراء.
وتلفت هذه المصادر إلى أن هذا الأمر هو من بين الأوراق التي يستخدمها معارضو بايدن في الولايات المتحدة، حيث توجه له الإتهامات بسبب عدم قدرته على "ردع" إيران وحلفائها الإقليميين، ما سيكون له تداعيات على واقعه الإنتخابي أيضاً، بينما هو يعتبر أن المطلوب، في هذه اللحظة الحساسة، عدم التورط في حرب، سيكون لها تداعيات كبيرة على مصالح بلاده في الشرق الأوسط، وهو ما ترجم من خلال تزايد الدعوات العراقية إلى خروج القوات الأميركية، بسبب العمليات التي تقوم بها، على خلفية الرد على الهجوم الذي تعرضت له على الحدود السورية الأردنية.
في المحصلة، تدعو المصادر نفسها إلى الإنتباه حيال ما بات يطرح في بعض وسائل الإعلام العربية، لناحية الحديث عن ضرورة الإستعداد لعودة ترامب إلى البيت الأبيض، لتشير إلى أن هناك صورة تتعزز عند أصدقاء واشنطن في المنطقة عن أن مرحلة بايدن إنتهت، وبالتالي هم ليسوا مجبرين على تقديم تنازلات له في الأشهر الأخيرة من ولايته.