لفت الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله، إلى أنّ "كلّ أسرانا تحرّروا بفضل جهاد المقاومة وتضحياتها، وما يعيشه محور المقاومة اليوم من مواقع قوّة واقتدار، وقدرة عالية على الحضور والتّأثير، هو ببركة الله وفضله، وببركة الثّورة الإسلاميّة الّتي انتصرت في مثل هذه الأيّام قبل 45 عامًا، بقيادة الإمام الخميني، وأعلنت موقفها عاليًا صريحًا مدوّيًا من الكيان الصّهيوني ومشروع الهيمنة الأميركيّة في المنطقة؛ والتزامها تجاه شعوب المنطقة المظلومة والمضطّهدة ولا سيّما فلسطين ولبنان".
وأشار، في كلمته خلال الاحتفال التّكريمي الّذي أقامه "حزب الله"، في ذكرى يوم الجريح، إلى أنّ "منذ 129 يومًا في لبنان ينضمّ إلى قافلة الجرحى والجريحات جرحى جدد، بفعل جبهة الدّعم والمساندة المفتوحة منذ 8 تشرين الأوّل الماضي إلى اليوم، وهؤلاء مسؤوليّة جديدة. وأتوجّه إلى عائلاتهم أنّ أمامكم مسؤوليّات كبيرة وعظيمة، وأنّ عنايتكم واهتمامكم بهؤلاء الجرحى هي من أعظم ما يتقرّب به الإنسان إلى الله".
وركّز نصرالله على أنّ "الّذي يشغل منطقتنا اليوم والعالم، هو ما يجري في غزة، وما تبع ذلك من فتح لجبهات الدّعم والمساندة"، مبيّنًا أنّ "130 يومًا من العدوان والتّوحّش والمجازر الصّهيونيّة بحقّ الشعب الفلسطيني في غزة والضفّة، 130 يومًا من الصّمود الأسطوري للمقاومين الفلسطينيّين في غزة، ومن البطولات الّتي تصل إلى حدّ الإعجاز في غزة، ومن الصّبر الّذي لا مثيل له في التّاريخ من الّذين يعيشون في أقسى الظّروف الحياتيّة والمناخيّة. 130 يومًا من العجز الإسرائيلي والفشل في تحقيق الأهداف، و129 يومًا من الدّعم والإسناد والتّضامن بدءًا من جبهة لبنان، وصولًا إلى اليمن والعراق وإيران... هذه السّاحات والجبهات متواصلة مع تواصل العدوان".
واعتبر أنّ "ما جرى ويجري على النّاس في غزة، مليونان و200 ألف شخص في حصار شديد ورعب وظروف قاسية وغارات تستهدف المنازل والكنائس والمساجد والمستشفيات والمخيّمات... ما يجري عليهم يجب أن يهزّ ضمير كلّ إنسان في هذا العالم، وأن يزلزل وجدان كلّ النّاس، وأن يستشعروا المسؤوليّة تجاه هذا العدوان وهذه الكارثة الإنسانيّة".
كما أوضح أنّ "ما نقوم به في لبنان وما يقوم به الأخوة في الجبهات المساندة، هو استجابة صادقة للمسؤوليّة الإنسانيّة والإيمانيّة والدّينيّة الملقاة على عاتق كلّ واحد منّا"، معلنًا "أنّنا منسجمون مع إنسانيّتنا ومع مسؤوليّتنا الشّرعيّة والدّينيّة، الّتي سنُسأل عنها يوم القيامة. ما نقوم به في جبهتنا اللّبنانيّة مسؤوليّة وطنيّة".
وأكّد نصرالله أنّ "أصل قيام الكيان الإسرائيلي في المنطقة هو مصيبة لكلّ دول وشعوب المنطقة. إسـرائيل القويّة خطر على المنطقة، أمّا إسرائيل الضّعيفة المردوعة الخائفة فهي الّتي تشكّل حالةً أقلّ ضررًا وكارثيّة على دول المنطقة وشعوبها"، لافتًا إلى أنّ "إسرائيل القويّة، الّتي كانت تَعتبر أنّه يمكنها احتلال لبنان بفرقة موسيقيّة، هي الخطر على لبنان. أمّا إسرائيل المردوعة هي الّتي يمكن أن يُحدّ من خطرها على لبنان ودول المنطقة".
وشدّد على "أنّنا كشعب لبناني وكدولة ووطن، مصلحتنا عندما يكون في جوارنا عدو مغتصب معتدي، ألّا يكون قويًّا، بل أن يكون مستنزَفًا وضعيفًا ومردوعًا. والمصلحة الوطنيّة اللّبنانيّة والسّوريّة والأردنيّة والمصريّة، قبل المصلحة الوطنيّة الفلسطينيّة، هو أن تخرج إسـرائيل من هذه المعركة مهزومة"، مركّزًا على أنّ "خروج إسرائيل منتصرة من الحرب خطر على دول المنطقة وشعبوها، وبالدّرجة الأولى على لبنان".
وأضاف: "منذ زمن، هناك فئة لديها موقف مسبق، أي مهما يكن الإنجاز بيّنًا واضحًا يقولون "كلا هذا وهم وغير صحيح"، وينطبق عليهم عنوان "صمٌّ بكمٌ عميٌ". عام 1985، هزمت المقاومة الجيش "الّذي لا يُقهر"، وأخرجته من بيروت وجبل لبنان وراشيا، وعام 2000 أخرجته من الشّريط الحدودي، وما زالوا يناقشون بجدوى المقاومة. منذ عام 2006 إلى بدء الأحداث، نحن في أمن وأمان وحماية قائمة على موازين الرّدع، ثمّ يقولون "لا جدوى من المقاومة".
وأشار نصرالله إلى "أنّنا يجب أن نحرص على ألّا يؤدّي السّجال إلى نزاع طائفي، فهذا من مصلحة إسـرائيل والجهة الأخرى، وليس من مصلحة البلد والمقاومة ومشروع الانتصار". وتوجّه إلى "النّاس خصوصًا لجيل الشباب"، قائلًا: "يا شباب هذه فئة ميؤوس منها، لا إذا ناقشتهم ولا إذا هاجمتهم ولا إذا انتقدتهم، هذا موقفهم إلى يوم القيامة. لا تتعبوا قلوبكم ولا تحزنوا ولا تغضبوا. نعم هناك شريحة قد تتأثّر بهذا المنطق، ويجب أن نتطلّع إلى هذه الشّريحة الّتي ليس لديها موقف مسبق، بل لديها إمكانيّة للقبول بالحجّة والاستدلال، هنا يجب أن نركّز خطابنا إلى هذه الشّرائح. عامّة النّاس يجب ألّا نيأس منها ويجب أن نشرح لها ونقنعها وندعوها إلى الموقف الحق".
إلى ذلك، بيّن أنّ "الّذي يتحمّل العبء الأوّل اليوم في المواجهة الجنوبيّة، هم أهل الجنوب في القرى الحدوديّة، لأنّ المواجهة والقتال هناك والنّازحون من منازلهم هناك، والّذين تُدمَّر بيوتهم وأرزاقهم وتُقصف بلداتهم ومحيطها هناك، والّذين يقدّمون أبناءهم شـهداء أيضًا هناك. إنّ عددًا كبيرًا من الشّهداء هم من أبناء القرى الأماميّة".
وأفاد بأنّ "هذا الموقف المستمرّ منذ 4 أشهر، يعبّر عن الإرادة الحقيقيّة للأغلبيّة الساحقة لأهل القرى الحدوديّة. نحن لا ندّعي إجماعًا على موقف، لكن هناك أغلبيّة ساحقة وعابرة للطّوائف هذا قرارها، وهي لا تحتضن المقاومة فقط، بل هذا خيارها وتمارس فعل المقاومة في الميدان دمًا وجراحًا وإنجازًا وبطولةً وإقدامًا، وهؤلاء يجب أن يُحترم رأيهم وإرادتهم أيضًا".
ورأى نصرالله أنّ "موقف أهل القرى الأماميّة وأهل الجنوب نابع عن بصيرة، لأنّهم الجزء الأكبر في لبنان الّذي عانى من وجود الكيان الغاصب منذ عام 1948، وهم شهدوا أنّ الّذي يستعيد أرضهم والّذي أعادهم ويعيدهم إلى بيوتهم هي المقـاومة، وأنّ الّذي يضع حدًّا لتهديدات إسرائيل هي المقاومة؛ لذلك كانوا هم المقاومة وهم يرسلون أبناءهم إلى القتال".
وأوضح أنّ "أهل القرى الأماميّة وأهل الجنوب يعبّرون عن موقفهم من خلال قتالهم واحتصانهم للمقاومين وتقديم بيوتهم، وإن شاء الله سيُعاد بناء هذه البيوت وأجمل ممّا كانت. وقوّة المقاومة في الجنوب، من خلال حضور كلّ فصائلها، ليست فقط في قوّتها التّنظيميّة والعسكريّة، بل في الاحتضان الشّعبي الكبير والوفي لها".
وذكر أنّ "اليوم الجبهة مفتوحة منذ 129 يومًا، يوميًّا عمليّات على مواقع وتجمّعات العدو وبصواريخ نوعيّة، ولكن هو يقاتل ضمن حدود وضوابط معيّنة. هذه التّجربة ثبّتت موازين الرّدع وأثبتت أنّ لبنان لديه قوّة رادعة حقيقيّة، وإلّا كيف ما زال الإسـرائيلي طيلة 4 أشهر يحسب ألف حساب للتّوسعة والامتداد؟ لأنّ هناك حسابات مع لبنان".
كما كشف نصرالله أنّ "كلّ الوفود الّتي أتت إلى لبنان خلال الأشهر الماضية وستأتي، لها هدف واحد هو أمن إسـرائيل وحمايتها، ويطالبون بوقف إطلاق النّار على المواقع الصّهيونيّة، وإعادة الـ100 ألف مستوطن محتلّ إلى شمال فلسطين المحتلّة". وتابع: "كلّ الوفود الّتي حضرت إلى لبنان والأفكار والطّروحات والآليّات هدفها الوحيد أمن الكـيان. تسألهم، "إذا أوقفنا اليوم العمليّات في الجبهة الجنوبيّة اللّبنانيّة، ماذا عن غزة والعدوان عليها وقتل أهلها تجويعهم؟" فنسمع كلامًا عاطفيًا. في كلّ أوراقهم لا وجود لغزّة. تسأل "ماذا عن أرضنا المحتلّة؟"، يقولون "إن شاء الله، وهذه تأتي في مفاوضات المرحلة الأخيرة"، أي هم يريدون أمن العدو وتنفيذ كلّ الإجراءات، ثمّ يرون ماذا يفعلون. نسأل "ماذا عن الخروقات والاعتداءات الإسرائيليّة؟"... كلّه كما يُقال "عالوعد يا كمون".
وأعلن "أنّنا في "حزب الله" وحركة "أمل" كثنائي مقاوم، معنيّون بالتّشاور وننسّق، والموفدون يأخذون أجوبتهم من المسؤولين في الدّولة"، لافتًا إلى أنّ "الوفود الّتي حضرت إلى لبنان قامت بحفلة تهويل بحرب إسرائيليّة واسعة، ولو كانت إسرائيل قادرة لكانت فعلت ذلك من ثاني وثالث يوم. التّهويل لم يجدِ نفعًا، والمكاسب السّياسيّة الّتي يُلوَّح بها، لا يمكن أن تؤثّر على موقفنا، ولن تؤدّي إلى وقف الجبهة اللّبنانيّة".
وأكّد أنّ "الجبهة في جنوب لبنان هي جبهة دعم ومساندة وتضامن ومشاركة في إلحاق الهزيمة بالعدو الإسرائيلي وإضعافه، حتّى يصل إلى النّقطة الّتي يقتنع فيها أنّ عليه أن يوقف عدوانه على غزة. مهما هوّلوا وهدّدوا وحتّى إذا شُنّت حرب، فلن تتوقّف هذه الجبهة. إطلاق النّار في الجبهو الجنوبيّة سيتوقّف فقط عندما يتوقّف العدوان على غزة، ضمن اتفاق واضح مع المقاومة الفلسطينيّة".
وجزم الأمين العام لـ"حزب الله" أنّ "العدو ليس في موقع من يفرض الشرّوط على لبنان، فهو الضّعيف والمأزوم، وهو الّذي أمضى 4 أشهر لم يستطع خلالها حسم المعركة في غزة"، داعيًا الموقف الرّسمي اللّبناني إلى "وضع شروط إضافيّة على القرار 1701 وليس فقط المطالبة بتنفيذه. لا يتصرّفن أحد أنّ لبنان ضعيف، فهو في موقع القوي والمبادر".
وشدّد على أنّ "هناك جوًّا كبيرًا من التّهويل يشارك فيه أحيانًا سياسيّون وإعلاميّون. أحيانًا يرقى الموضوع إلى مستوى الانحطاط الأخلاقي وإلى مستوى السّفالة. قبل مدّة، عملت بعض مواقع التّواصل الاجتماعي ليلًا نهارًا وحدّدت ساعة الصّفر للحرب على لبنان. هذا مَن يخدم؟ هل من يقوم بذلك لديه إحساس وقيم وأخلاق، وهل هو إنسان أم شيء آخر؟ عندما يتحدث الله عن أسفل السّافلين، هم هؤلاء". وركّز على أنّ "مشهدًا آخر من مشاهد الانحطاط والسّفالة، عندما يتّصل البعض بأهل بعض المنازل في القرى الأماميّة، ويقولون لهم إنّهم من جيش العدو وعليهم إخلاء المنزل قبل القصف. من يخدم هذا؟ هذا اليوم جزء من المعركة والحرب النّفسيّة".
إلى ذلك، حذّر من أنّ "معلومات بالمجّان تُقدّم للعدو الصّهيوني عبر مواقع التّواصل الاجتماعي، ويجب الانتباه إلى ما يُشاع في مواقع التّواصل بهدف تخويف النّاس والمسّ بإراداتهم، إذ لا يجوز تقديم معلومات للعدو بالمجان وهو يبحث عنها"، مضيفًا: "الإسرائيلي ليس بحاجة إلى زرع عملاء على الطّرقات، فمن خلال الكاميرات الموصولة على الإنترنت، بات الإسرائيلي حاضرًا في شوارعنا ومدننا".
وأشار نصرالله إلى أنّ "أجهزة الخليوي في أياديكم هي أجهزة تنصّت. جهاز التّنصّت في جيبكم، يسمعكم ماذا تتحدّثون، ويسحب كلّ رسائلكم وصوركم، ويحدّد أماكنكم وبأيّ غرفة، وإذا كنتم في سيّارة بأيّ سيّارة وأين تجلس. لذلك طلبنا في القرى الأماميّة والحدوديّة وإذا استطعنا في كلّ الجنوب، إلى أخواننا وعوائلهم، عطّلوا أجهزتكم وهواتفكم من أجل حفظ دمائكم ودماء النّاس وكراماتهم. الخليوي عميل قاتل ويقدّم معلومات محدّدة ودقيقة، وهذا يحتاج إلى جدّيّة عالية في مواجهته".
وبيّن أنّ "الكاميرات الموصولة على الإنترنت تراقب كلّ الطّرقات، لذا يجب قطع هذه الكاميرات عن الإنترنت، لأنّ التّساهل في هذا الموضوع يساهم في المزيد من الشّهداء والخسائر وكشف الجبهة للعدو".
وأوضح "أنّنا نراقب كلّ التّطوّرات في المنطقة وكلّ الاحتمالات مفتوحة، لكن نحن نقاتل في الجنوب وعيننا على غزة. وعندما يتوقّف إطلاق النّار في غزة سيتوقّف إطلاق النّار في الجنوب، وعندما يقوم العدو بأيّ عمل، فسنعود إلى العمل على القواعد والمعادلات الّتي كانت قائمة، فالمقاومة عملها ردع العدو وستكون ردودنا متناسبة وفعّالة".
وأردف نصرالله: "إذا إذا نفّذ العدو تهديداته ضدّنا، فعليه أن يدرك أنّ المئة ألف مستوطن الّذين غادروا الشّمال، لن يعودوا. ومن يهدّد بالحرب من أجل إعادة 100 ألف مهجّر في إسرائيل، عليه أن يحضّر نفسه لتهجير مليونَي مهجّر إذا فرض حرب".
وتوجّه إلى "من يهدّدنا بالتّوسّع في الحرب"، بالقول: "بتوسِّع منوسِّع"، ومن يتصوّر للحظة واحدة من أجل حسابات العدو والصّديق، أنّ المقاومة في لبنان من خلال فعلها الميداني وتضحياتها، تشعر لو للحظة بخوف أو مأزق أو ارتباك، هو مشتبه ومخطئ تمامًا ويبني على حسابات خاطئة". وجزم أنّ "المقاومة اليوم أشدّ يقينًا وأقوى عزمًا من أيّ يوم مضى، وعلى الاستعداد لمواجهة العدو في أيّ مستوى من مستويات المواجهة".