منذ تاريخ قرار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تعليق عمله السياسي في لبنان، لم تُطرح، في الأوساط المحلية، فرضية عودته عن هذا القرار كما هو الحال اليوم، حيث تتعدد الروايات والسيناريوهات التي تُرسم في هذا المجال، وتضيع بين حدي التمنيات والوقائع العملية، خصوصاً أن الرجل لم يعط، حتى الساعة، أية مؤشرات حاسمة.
من حيث المبدأ، إنسحاب الحريري من المشهد السياسي لم يكن هو صاحب القرار فيه، وبالتالي العودة عن هذا القرار لن تكون بيده وحده، بل تحتاج إلى مجموعة من العوامل التي من المفترض البحث في توفرها في المرحلة الحالية، إنطلاقاً من معادلة تبدل الظروف أو الرهان على متغيرات من الممكن أن تحصل في المستقبل القريب.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن ليس هناك من أمر محسوم، على الأقل حتى الآن، لكن من الواضح أن لدى رئيس الحكومة السابق رهانات كبيرة، تبدأ من حجم الحشد الشعبي الذي من الممكن أن يحصل اليوم، خلال زيارته ضريح والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، خصوصاً أن تيار "المستقبل" عمل، في الأيام الماضية، على محاولة إستنهاض قواعده الشعبية في مختلف المناطق بشكل كبير، بهدف تكريس زعامته على الساحة السنية.
بالنسبة إلى هذه المصادر، هذه الزعامة ليس هناك من يجادل الحريري بها، خصوصاً أن الإنتخابات النيابية الماضية في العام 2022 أكدت عليها، بينما لم تنجح أي من الشخصيات السياسية الطامحة على ملء الفراغ الذي تركه غيابه، وترى أن مقارنة الدور السني، في الإستحقاقات الوطنية، بين مرحلة حضوره ومرحلة غيابه، تكفي للدلالة على ذلك، لكنها تعتبر أنّ الأساس يبقى حول توفر الظروف المناسبة لعودته.
من وجهة نظر المصادر نفسها، يمكن الحديث عن إحتمالين: الأول هو أن الحريري لديه اليوم معطيات واضحة تشجعه على العودة، أما الثاني فهو أن الرجل يريد أن يرسل رسالة شعبية بأنه لا يزال الحاضر الأبرز على الساحة، من أجل إستثمار ذلك في المرحلة المقبلة، لا سيما إذا ما كانت المنطقة على أبواب تسويات من العيار الثقيل، إنطلاقاً من الوقائع التي كان قد فرضها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما حمله معه من تداعيات.
في هذا الإطار، تلفت مصادر نيابية، عبر "النشرة"، إلى أنّ الساحة السنية بقيت مفتوحة لرئيس الحكومة السابق، منذ تعليق عمله السياسي، للعودة متى يرى أن الظروف باتت مناسبة، لكنها تشير إلى أنه حتى الساعة لا يبدو أن الظروف قد تبدلت، وبالتالي لا يمكن الحديث عن عودة قريبة، إلا إذا كانت لدى الحريري نفسه معطيات لم يتم الكشف عنها بعد.
على الرغم من ذلك، ترى هذه المصادر وجود مجموعة من المؤشرات التي يستطيع أن يراهن عليها، تبدأ من الظروف القائمة على المستوى الإقليمي، حيث الحديث عن أن المنطقة قد تكون مقبلة على تسويات كبرى، وتشمل أيضاً الحديث عن تحول في الموقف السعودي من الملف اللبناني، كان قد برز في الحراك الذي بادر إليه السفير وليد بخاري في الفترة الماضية، وتضيف: "التقاطع بين الواقع السني الحالي وهذه المؤشرات، يقود إلى معادلة أن الرجل لديه فرصة".
من وجهة نظر المصادر نفسها، هذه الفرصة تستند إلى معادلة أن العودة السعودية تحتاج إلى شخصية قادرة على تمثيلها في لبنان، كي تكون الشريك المحلي في أي تسوية على الساحة المحلية، وهو أثبت أنه الشخصية التي لا تزال تملك النفوذ الأقوى سنياً، لكن المطلوب أن توافق الرياض على منحه الوكالة من جديد، بعد أن كانت سعت على تنويع خياراتها اللبنانية في المرحلة الماضية.
في المحصلة، حجم التجاوب الشعبي مع الحريري اليوم، سيفتح الباب أمام مجموعة واسعة من السيناريوهات، خصوصاً أن الساحة السياسية، من حيث المبدأ، جاهزة لإستقبال عودة أحد أركانها البارزين، وبالتالي ما يمكن الحديث عنه هو أن الرجل يستجمع أوراق قوته من جديد، كي يكون جاهزاً لمختلف الإحتمالات.