وفق مسار الامور حالياً، وخصوصاً بعد الحرب على غزة منذ عملية "طوفان الاقصى"، وما ترتّب عليها من كوارث ومآسٍ ومستجدات سياسية ودبلوماسية، يبدو ان فرص الرئيس الاميركي جو بايدن بتجديد ولايته الرئاسية باتت اقرب الى الحلم، تماماً كما هو الحال مع الهدف الذي كان يضعه رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو نصب عينيه، اي انشاء دولة يهودية. ولكن القاسم المشترك الآخر بين الرجلين هو استغلال الحرب على غزة لتحقيق المكاسب، اذ على الجبهة الاميركية، يجهد بايدن لتحرير الاسرى وفرض هدنة طويلة تسمح بالبدء بالجهود الكفيلة بترسيخ تسوية ستفضي الى اقامة دولة فلسطينية على قياس اميركي-اوروبي يلائم اسرائيل ومن غير الضروري ان يعطي الفلسطينيين حقهم بالكامل، بل يمكن ان يستردوا جزءاً بسيطاً منه. وسبب انغماس بايدن في هذا الطرح، هو رغبته في تحقيق "انجاز" يساعده في هذه الفترة الحرجة، علّه يساعد على التغطية على مشاكله الداخلية ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الضربة الاجدد المتمثلة بالتشكيك بقدراته بسبب العمر.
اما على الجبهة الاسرائيلية، فيرغب نتنياهو في تحصيل اي مكسب عملي، كي يؤمّن له مخرجاً من الوحول الداخلية التي يغرق فيها ولعل اهمها الدعاوى القضائية التي تنتظره، اضافة الى المساءلات العديدة التي ستلاحقه حول عملية "طوفان الاقصى" وتحميله المسؤولية ان بالنسبة الى الظروف التي ادت الى نجاح العملية او طريقة تعاطيه مع ملف الاسرى لدى "حماس" والمنظمات الفلسطينية. ولا يجد نتنياهو سبيلاً الى تحقيق ذلك، سوى من خلال تخليد ذكراه عبر انشاء دولة يهودية، ولكنه هدف بات بعيد المنال حالياً، بعد ان سقطت الاهداف التي وضعها عند اطلاق الحرب، لان الكلمة الفاصلة ليست في هذا الاتجاه، انما تميل الى تسوية، وما من تسوية يمكن القبول بها في ظل شرط الدولة اليهودية. صحيح انه لا يمكن استبعاد هذه الخطوة في المستقبل، ولكن في المدى المنظور، ليس هناك اي مؤشر يدلّ على تقبّل احد لهذا الطرح، لا الاسرائيليين ولا الاميركيين ولا الاوروبيين ولا... العرب.
امام هذا الواقع، يستمر رئيس الوزراء الاسرائيلي في ممارسة سياسة الهروب الى الامام، وبعد ان دعا الفلسطينيين في غزة الى افراغها شمالاً والتوجه جنوباً لضمان امنهم، ها هو يعدّ العدة لضرب الجنوب في خطة تبدو ممنهجة لتصغير حجم اي دولة فلسطينية مستقبلية قد تبصر النور، الى اقصى حد ممكن. كل ذلك يجري في ظل "عجز" اميركي واوروبي، فيكتفي بايدن بالتنديد والتحذير من دون اي خطوة عملية تؤذي نتنياهو وحكومته وتدفعه الى التفكير ملياً قبل رفض طلب اميركي، فيما اول خطوة تكون في ايقاف مدّ اسرائيل بالاسلحة، مع الاشارة الى عدم توقع تنفيذ الاوروبيين ايضاً لتهديدهم في هذا السياق. وما همّ نتنياهو اذا ما قيل عنه انه "احمق" و"سيء" وكل النعوت الاخرى؟ المهم ان يحصل على الاسلحة التي يريدها للاستمرار في ارتكاب المجازر والتمسك بالسلطة حتى الرمق الاخير. ولكن الخلاف الكبير يكمن في مدى القدرة على ابقاء الامور تحت السيطرة وعدم انفلاتها، بحيث يُجبر الاميركيون والاوروبيون على دخول الحرب، وهو ما لا يريدونه، لذلك تُبذل الجهود والمساعي على مدار الساعة كي لا تؤدي الحملة الجديدة المتوقعة على رفح الى توسيع رقعة الحرب، فتتصاعد التهديدات من الاميركيين والاوروبيين بالعقوبات، ومن العرب بتعليق مفاوضات السلام، مع العلم انه لم يسجّل بعد اي نتيجة فعلية عملية لهذه التهديدات.
هل حان الوقت لان تلعب اميركا ورقتها للاطاحة بنتنياهو من الداخل والابقاء على العلاقة كاملة مع اسرائيل؟ وهل نضجت طبخة التسوية التي تعجّل في هذا الاجراء كي تتسلّم المعارضة الاسرائيلية زمام الامور وتدخل في التسوية التي ينادي بها الجميع؟ يقول البعض ان الخلاص يكمن في امر واحد: عندما يجد بايدن نفسه امام خيار وحيد: انا ام نتنياهو؟ وعندها تكرّ مسبحة الحلول.