بعد تعدد الطروحات الخارجية، التي نقلت إلى الجانب اللبناني في الأسابيع الماضية، بالنسبة إلى ملف ترتيب الأوضاع على الجبهة الجنوبية، يبدو أن "حزب الله" قرر الرد عبر مسارين: الأول سياسي من خلال المواقف التي أطلقها أمينه العام السيد حسن نصرالله، أما الثاني فعسكري من خلال الهجوم الذي نفذه على صفد في اليوم التالي، في مؤشر على أن كل الحديث الماضي، عن إمكانية الوصول إلى تسوية في وقت قريب، لا يعبر عن حقيقة الواقع.
في هذا السياق، هناك مشكلة أساسية لا يتم التركيز عليها بالشكل المطلوب، تكمن بأن جميع الطروحات، التي يتولى نقلها موفدون دوليون، لا تأخذ بعين الإعتبار المطالب اللبنانية، بل هي تقتصر على نقل تهديدات إسرائيلية ومطالب هدفها مشكلة النازحين من سكان المستوطنات الشمالية، بينما لم يقدم، منذ ما بعد عدوان تموز 2006، أي طرح ينهي الخروقات الإسرائيلية المتكررة للسيادة اللبنانية.
بناء على ما تقدم، ترى مصادر متابعة، عبر "النشرة"، أن السيد نصرالله، من خلال المواقف التي أطلقها أول من أمس، أعاد الأمور إلى المربع الأول، أي الربط بين جبهة الجنوب وجبهة غزة، بعد أن ظن البعض، بناء على ما كان يُنقل إلى بيروت، أن هذا الفصل ممكن، من خلال الذهاب إلى تسوية قبل الوصول إلى وقف لإطلاق النار في القطاع، مجدداً التأكيد على أن "الجبهة الجنوبية هي جبهة دعم وضغط ومشاركة بإلحاق الهزيمة بالعدو ليصل إلى نقطة يقتنع فيها بأن عليه وقف عدوانه على غزة".
وعلى الرغم من أن هذه المعادلة ترفع من إحتمال الذهاب إلى توسيع رقعة المواجهات جنوباً، تشير المصادر نفسها إلى أن السيد نصرالله تقصد، في الخطاب نفسه، الرد على حملات التهويل، من خلال الإشارة إلى أن "من يهددنا بالتوسع في الحرب نقول له: "بتوسّع منوسّع، ومن يتصور أن المقاومة تشعر بالخوف والارتباك فهو مخطئ تماماً ويبني على حسابات خاطئة". وهو ما ترى أنه ترجم بالرد العملي، الذي حصل في اليوم التالي، من خلال إطلاق الصواريخ على صفد، التي أحدثت إرباكاً كبيراً في الداخل الإسرائيلي، بعد أن كانت تل أبيب قد تعمدت، في الأسابيع الماضية، توسيع رقعة الإستهدافات.
من وجهة نظر هذه المصادر، "حزب الله"، من خلال الردين النظري والتطبيقي، كان مضطراً إلى الذهاب إلى إعادة صيانة معادلة الردع التي تحكم المواجهات الحالية، على إعتبار أن تجاهل الخروقات قد يدفع تل أبيب إلى التمادي أكثر في عملياتها، الأمر الذي لا يمكن القبول به، نظراً إلى أنه يسقط أحد أهم نقاط قوة الحزب، التي تتمثل بالتأكيد الدائم على أن إسرائيل مردوعة، ولا تستطيع الذهاب بعيداً في إعتداءاتها، بينما هي كانت تسعى إلى تكريس معادلة جديدة مرتبطة بتنفيذ عمليات الإغتيال التي تستهدف قيادات عسكرية، سواء من الحزب أو من الفصائل الفلسطينية.
إنطلاقاً مما تقدم، تُطرح الكثير من علامات الإستفهام حول الخطوات التي من الممكن أن يبادر إليها الجانب الإسرائيلي، رداً على التصعيد من جانب "حزب الله"، لا سيما أن في تل أبيب من يعتبر أنه لا يمكن الإستمرار بالواقع الراهن، في حين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يسعى إلى تحسين أوراقه التفاوضية في قطاع غزة.
في هذا الإطار، تؤكد المصادر المتابعة أن الأمور ستبقى ضمن معادلة التصعيد والتصعيد المضاد، من دون أن يعني ذلك الذهاب إلى المواجهة الشاملة، على إعتبار أن هذا الأمر يتوقف على وجود تغطية أميركية واضحة له، بينما واشنطن، حتى الآن، لا تزال ترفض ذلك، لا بل تسعى إلى إحتواء المواجهات على هذه الجبهة، بسبب التداعيات التي من الممكن أن تترتب على تغطية هكذا قرار، وهي لذلك تفتح قنوات إتصال بهذا الشأن مع الجانب الإيراني.
على الرغم من ذلك، لا تنفي المصادر نفسها إمكانية أن تبادر إسرائيل إلى هجوم واسع، خصوصاً إذا ما نجحت في وقت قريب بالإنتهاء من جبهة غزة، على قاعدة أنها لا تستطيع أن تتحمل إستمرار الوضع على الجبهة الشمالية على ما هو عليه اليوم، لا بل لا يمكن لها أن تتحمل حتى العودة إلى المرحلة التي سبقت عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول الماضي، بسبب المخاوف التي لدى سكان المستوطنات الشمالية من التطورات المستقبلية.
في المحصلة، تجزم هذه المصادر بأن الوضع دقيق جداً ولا يمكن التكهن بمسار الأمور في المرحلة المقبلة، بالرغم من أن الترجيحات لا تزال تستبعد خيار المواجهة الشاملة، ليس فقط بسبب الموقف الأميركي الرافض، بل أيضاً لأن الحرب مع "حزب الله" لن تكون مشابهة لتلك التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة، بسبب إختلاف القدرات بين الحزب و"حماس" من جهة، وطبيعة الجبهة التي لها عمق إستراتيجي من جهة ثانية.