قليل الكلام كثير اللقاءات، هكذا يمكن توصيف زيارة سعد الحريري هذا العام الى لبنان لإحياء الذكرى التاسعة عشر لاغتيال والده رفيق الحريري، فهي لم تكن كسابقاتها، تحديداً الحديث عن الزيارات التي تلت خروجه من لبنان وإعلان تعليق العمل السياسي، وكل ذلك ترافق مع حديث اعلامي مكثف حول العودة الى لبنان والسياسة، بعد أن أثبت الرجل أن "الحريرية السياسية" أقوى من أن تُنسى أو تُلغى رغم كل المحاولات التي جُربت.
حجم اللقاءات السياسية التي أجراها الحريري وحجم الأسماء التي زارته، من سياسيين داخليين وسفراء أبرزهم: السفيران المصري والروسي، والتصريحات التي تلت اللقاءات والتي شددت بأغلبها على دور الرجل في لبنان، وكل التلميحات التي صدرت بخصوص عودته الى الحياة السياسية تبقى رهن شرط أساسي، وهو تبدل الظروف التي أدت لرحيله، وهو ما لم يحصل بشكل كامل بعد.
في هذا الإطار، تظهر اللقاءات السياسية الموسعة، التي قام بها الحريري في الأيام الماضية، أن الرجل لديه رغبة واضحة في العودة، بغض النظر عما إذا كانت الظروف باتت مناسبة لذلك أم لا، وهو ما يتماهى مع المواقف التي تصدر عن بعض مسؤولي تيار "المستقبل"، الذين لا يمكن أن يكونوا قد بادروا إلى التمهيد لذلك من دون موافقة منه، سواء كان هذا الأمر بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
في المقابل، هذه اللقاءات تعكس أيضاً رغبة لدى مختلف الأفرقاء بهذه العودة، إقتناعاً منهم بالحاجة إليه في هذه المرحلة، سواء كانوا من الحلفاء السابقين أو الخصوم الذين ساهموا بإحراجه، ومنهم من ذهب أبعد ليتمنى رحيله أو يغدر به عند مفاصل مهمة، من دون تجاهل أهمية اللقاء الذي حصل مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، حيث كان للأخير مواقف واضحة تؤكد دعمه رئيس الحكومة السابق، بوصفه الوريث الشرعي الوحيد للحريرية السياسية، بعد أن كان البعض يتحدث في الماضي، خصوصاً في فترة الإنتخابات النيابية في العام 2022، عن أن دريان يسعى إلى دور سياسي أو على الأقل التعويض عن غياب الحريري.
يقول مطلعون على جو سعد الحريري أن زيارته هذا العام مختلفة لناحية المضمون، ورغم أهمية كل هذه اللقاءات السياسية، التي تعطي صورة عن الرغبة الواضحة بعودته الى الحياة السياسية، يبقى الشرط الأساسي للعودة هو الموقف السعودي منه، فهو كان السبب برحيله وهو قد يكون السبب بعودته، أمّا "عبارة كل شي بوقته حلو" التي استعملها الحريري أكثر من مرة في كلامه المختصر سوى تأكيد على أن أمرا ما تبدل ولكن لم تصل الأمور الى خواتيمها بعد.
بحسب مصادر مطلعة فإن الزيارة هذا العام الى لبنان وما رافقها من حشود شعبية وسط بيروت، هي بدء لمسار العودة التي قد تحصل قريباً بحال توافر ظروف إقليمية معينة أو تنتظر حتى الاستحقاق الانتخابي في العام 2026، مشيرة عبر "النشرة" الى أن حظوظ العودة قبل ذلك موجودة، ولكن بانتظار ما سيجري في المنطقة.
إذاً، كل القوى السياسية في لبنان ترغب بعودة الحريري، وهو نفسه يرغب بذلك، وجمهوره كذلك، ولكن ما الذي ترغبه المملكة؟ هذا السؤال الأساسي والجوهري، رغم كل التسريبات التي تتحدث عن أن السعودية أبدت مرونة بمكان ما من الحريري، خاصة أن هناك من يعتبر أنه لولا هذه المرونة لكانت زيارته الى لبنان زيارة طبيعية روتينية يقرأ فيها الفاتحة على ضريح والده ويرحل.
