ورد في رسالة بطرس الرسول الأولى: "كَذلِكَ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، اخْضَعُوا لِلشُّيُوخِ، وَكُونُوا جَمِيعًا خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، وَتَسَرْبَلُوا بِالتَّوَاضُعِ، لأَنَّ: "اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً" (١ بط ٥: ٥). يوصى الشباب بأن يخضعوا ويطيعوا الكهنة وكبار السنّ، بل ان يخضعوا أيضًا بعضهم لبعض باتّضاع، لأنّ الله يعطي نعمة للمتواضعين وعلى العكس يرفض ويقاوم المستكبرين.
الطاعة ليست عمياء، إنّما للذين يستحقّونها، كونهم مثلًا ومثالًا، وممتلئين نعمة وفهمًا ووداعة. نحن نعيش أزمة وصراعًا كبيرين بين الأجيال: صراعًا فكريًا، اخلاقيًا، دينيًا، عقائديًا، ثقافيًا، صراع آراء. هناك هوّة بين البالغين والشباب، الذين باتوا في مجتمعنا يتلقّون عِلمًا في جامعاتهم دون أن يتلقّفوا شيئًا من الثقافة واللياقة والأخلاق. كل العلم الذي يمكن للإنسان أن يحصل عليه في حياته الزمنية، لن يكون شيئًا أمام الحقّ الذي يكمن في الأخلاق المستمدة من العلاء، النازلة علينا من لدن الله.
هناك مشكلة حقيقية نعيشها في مجتمع متفلّت بسبب الانحطاط الاخلاقي المستورد، حيث لم يعد للشباب من التزام لحدود اللياقة والترّتيب. هناك فوقيّة عند معظم هذا الجيل، وتباين كبير في الآراء. ما يعتقدونه صوابًا قد يراه الأهل ضلالًا، نتيجة خبرة الحياة. هذا "التمرّد" الذي يحاول شبيبة اليوم ممارسته تجاه مَن هم أكبر منهم سنّاً وخبرةً وتعقّلًا، لإثبات ذواتهم، قد يرونه ثاقبًا، قويمًا ومحكمًا، نظرًا إلى ما هو مباح أمامهم من معلومات وتطوّر في العلم والتقنيات، وهنا لبّ الصراع.
سؤال يجب أن يُطرح: هل أن العلم اليوم يزيد من الأخلاق، أم أنه يجعل من النشىء الصّاعد مسيّرًا لا مخيّرًا؟ انا لا أنفي أن نسبة الذكاء زادت في ما نراه عند الأجيال الصّاعدة، إنما تبقى خبرة الحياة ومنطقها أقوى من كل علم. خروج بعض من شبيبتنا عن أصول التخاطب والتعامل والحوار مع الأكبر سنًا، لدرجة التجّريح والوقاحة، هو قلّة إدراك للعواقب النفسيّة السلبيّة على هذه الشريحة.
زيادة على ما تقدّم بتنا نستورد، أيضًا، عاداتٍ لم نألفها فيما مضى، لجهة سكن الشباب العازب، والشابات، خارج البيت العائلي، أو المساكنة التي باتت شائعة، حيث لم يعد لسرّ الزواج قدسيّته. انا لا اتناول، في هذا السياق، الشباب والشابات في بلاد الاغتراب، حيث مقرّ أعمالهم ودراستهم، ولا النزوح الداخلي بسبب البعد الجغرافي عن أماكن العمل أو الدراسة، إنما تلك الفئة العمريّة التي تنشد الاستقلالية في سبيل حرّية "متفلّته" تضرب مفهوم الدين والدنيا. لا أبغى التعميم، إنما هذا واقع.
هناك مسؤولية تترتّب على أرباب العائلات، والبيئات، والمرجعيات الروحية، والمدارس، والجامعات، والجمعيات الناشطة مع الشباب، حتى الأحزاب، والنُخب، كلٌ من جهته تقع على عاتقه مسؤولية توجيه الجيل الصّاعد نحو اللياقة وحُسن الحوار والتخاطب، وعدم التفّريط بالقيم، والوقوف سدًا منيعًا أمام الاقتحام السيء للعقول والقلوب، والتحرّر المفرط، تحت ستار العولمة، بغية الوصول إلى مجتمع متماسك ومحصّن من التشويهات اللاأخلاقية المستوردة. التطوّر والعلم ضروريان، ولكن ليس على حساب القيم والأخلاق.
الحلّ بسيط يكمن في إسكان الله قلوب هذه الفئة العمريّة، عندها فقط لن "نستهين بحداثتهم".
الأهل ليسوا اعداءً لأبنائهم، عليهم أن يتحاوروا ويتناقشوا ويتصارحوا. واجب الأهل أن يسكبوا الرب في نفوس ابنائهم، وهكذا تكون التربية الصالحة.
اختم بما ورد في إنجيل لوقا عن يسوع المسيح: "ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا" (لوقا ٢: ٥١). خضوعه لأمّه وليوسف، بغية أن يعطينا مثالًا رائعًا في طاعة الوالدين. مَن يطع والديه يطع الله.