منذ شهر ونيّف تقريباً أصبح للولايات المتحدة الاميركية رؤية لحل كبير على مستوى المنطقة ينطلق من ضرورة الموافقة على إنشاء دولة فلسطينية، مقابل دمج اسرائيل أكثر في الشرق الأوسط من خلال صفقات التطبيع مع الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فيكون الأميركي بذلك أدخل اسرائيل في عصر جديد لا يُبقي سوى قلة قليلة من الدول العربية في موقع العداء للكيان، ويساهم من خلال مروحة الحل، في لبنان ومسألة الحدود، في العراق من خلال الخروج العسكري، وفي سوريا من خلال الانسحاب وإعادة الدول العربية الى دمشق، بإضعاف أسباب وجود قوى محور المقاومة وعملها.
هذا الحل الذي لا يزال يصطدم بالرفض الاسرائيلي المطلق لقيام دولة فلسطينية، او حتى الاعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطين، يطرح تساؤلا أساسيا حول مكانة إيران في كل هذ الواقع الجديد للمنطقة، فهناك من يعتبر ان تطبيقه سينعكس سلباً على طهران، وهناك من يقول بأن لا حل في المنطقة دون مشاركة إيران كونها قوة أساسية فيها تضمن نجاح أو فشل اي حل.
حتى الساعة لا يمكن الحديث عن أي حل موسع على مستوى المنطقة، لا سيما أن الجانب الإسرائيلي لا يزال يرفض ذلك، إلا أن الأميركي يسعى إلى هذا الامر للحصول على ورقة، يستطيع أن يستفيد منها الرئيس جو بايدن في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصاً بعد أن تحولت غزة إلى عامل مؤثر في هذه الإنتخابات، بسبب موقف الجاليات العربية والإسلامية.
إنطلاقاً من ذلك، تسعى واشنطن للوصول الى حل، يقوم على أساس الإعتراف بالدولة الفلسطينية مقابل التطبيع بين إسرائيل والسعودية، لكن هذه المسألة لن تكون سهلة على الإطلاق، فالرياض لا يمكن أن توافق على تطبيع مع تل أبيب من دون ثمن كبير، لا يبدو أن الأخيرة قادرة على دفعه، في ظلّ سيطرة الأحزاب اليمينية المتطرفة، بشكل أو بآخر، على قرار الحكومة.
في هذا الإطار، من الممكن الحديث عن أن الجمهورية الاسلامية قد تكون المتضرر الأكبر من وراء ذلك، خصوصاً أن هذا التطبيع سيقود إلى خسارتها جزءاً كبيراً من خطابها الإيديولوجي القائم منذ إنتصار الثورة الإسلامية، وبالتالي هكذا تسوية من الطبيعي النظر إليها على أساس أنها تأتي من باب محاولات إحتواء نفوذها في المنطقة، الأمر الذي كان من الأسباب الموجبة لمسار التطبيع الذي كان سائداً في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
في السياق ذاته، هناك رأي آخر يقول أن الولايات المتحدة الأميركية، وإن كانت ترغب بإضعاف نفوذ طهران في المنطقة، إلا أنها تدرك حاجتها للإيراني لتسويق الحلول، وبالتالي سيكون البحث عن طريق لتثبيت نفوذ الجمهورية الاسلامية في المنطقة، من خلال السياسة، لذلك يبرز من يتحدث عن تسوية لبنانية تشمل الملفّ الحدودي والملفات السياسية والاقتصادية العالقة، ويكون حزب الله من الحاضرين بقوّة فيها بالتوازي مع حلول ودعم على المستوى الاقتصادي.
لا شكّ ان المنطقة بعد 7 تشرين الأول الفائت لن تعود كما كانت قبله، ولكن كل شيء متروك لانتهاء الحروب، وهي التي تبدو لا تزال بحاجة الى أسابيع عدّة قبل وضع اوزارها، وهذه الأسابيع قد تحمل مفاجآت تُطيح بكل ما هو مطروح اليوم.