على وقع إستمرار الجهود الدولية الهادفة إلى إحتواء التوتر على الجبهة الجنوبية، تظهر إسرائيل، منذ أيام، رغبة في توسيع دائرة المواجهات، الأمر الذي تمثل، أول من أمس، بالإستهداف الذي حصل في الغازية، ما رفع من مستوى التحذيرات من الذهاب إلى الحرب المفتوحة والطويلة، لكن في المقابل يبدو أن الأمور لا تزال بعيدة عن هذا السيناريو، الذي يرتبط بالدرجة الأولى بالموقف الأميركي، وعدم قدرة تل أبيب على هذه المواجهة في ظلّ الجبهة المفتوحة في قطاع غزة.
في هذا السياق، تقرأ مصادر متابعة، عبر "النشرة"، مجموعة من الإعتبارات التي تحكم السلوك الإسرائيلي، التي تبدأ من فشل جميع الوساطات الحالية في الوصول إلى نتيجة، في ظل تمسك "حزب الله" بمعادلة الإرتباط بين الجبهة الجنوبية والجبهة في غزة، ولذلك ترى أن الإسرائيلي يريد أن يرفع من مستوى الضغوط على الحزب، بهدف دفعه للتنازل عن ذلك، خصوصاً أنه لم يعد قادراً على تحمل الضغوط الداخلية الناتجة عن سكان المستوطنات الشمالية.
بناء على ما تقدّم، تلفت المصادر نفسها إلى حرص الجانب الإسرائيلي، في جميع الإستهدافات التي تطال أهدافا مدنية، على الحديث عن أهداف عسكرية، كمثل الحديث عن مخازن سلاح لـ"حزب الله" في ضربة الغازية، لتبرير ما يقوم به، من ضمن معادلة يريد أن يفرضها على الحزب، قوامها الحق بإستهداف الأهداف العسكرية أيا كان موقعها، مع العلم أن ما جرى هو الأول من نوعه، من ناحية العمق، الذي لا يكون مرتبطاً بعملية إغتيال، كما حصل في بلدة جدرا وقبل ذلك في الضاحية الجنوبية.
من وجهة نظر هذه المصادر، هذا التمادي من قبل تل أبيب يعود إلى تقديرات لديها تفيد بأن "حزب الله" ليس في وارد الإنزلاق نحو المواجهة الشاملة، ولذلك ترى أنها تستطيع أن تقوم بما هو أوسع من المواجهات اليومية التي تشهدها الجبهة منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، بالرغم من أن الحزب قادر على رفع مستوى المواجهة، كماً ونوعاً، من دون أن يقود ذلك إلى تلك المواجهة، وهو ما قام به في الفترات الماضية.
في هذا السياق، ترى المصادر المتابعة أن خيار الحرب الشاملة لا يزال مستبعداً، على الأقل في الوقت الراهن، بالرغم من أنه يبقى قائما، لا سيما إذا ما ذهبت تل أبيب، في المستقبل، إلى مزيد من الإستفزازات، لكن ذلك لا يلغي أن هذه الجبهة من الممكن أن تشهد المزيد من التحوّلات، خصوصاً أن "حزب الله" لا يمكن أن يستمر في سياسة التغاضي عن التصعيد الإسرائيلي المتكرر، نظراً إلى أن هذا الأمر سيؤثر على معادلات الردع التي يحرص دائماً على الحفاظ عليها وصيانتها.
وتعود المصادر نفسها إلى ما كان قد طرح، قبل أسابيع، في وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن سيناريو مفاده أن تعمد إسرائيل للإعلان عن وقف لإطلاق النار على الجبهة الجنوبية من جانبها، على أن تبادر في حال قيام "حزب الله" بأيّ عملية بردّ كبير، لتشير إلى أن هذا السيناريو على ما يبدو لا يزال قائماً بطريقة أخرى، حيث من المرجح أنها تراهن على إمكانيّة رد الحزب بشكل كبير على توسعها بالإعتداءات، لتبرير قيامها بعملية واسعة، لا تزال تسعى إليها بعض القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، على قاعدة أنها من الممكن أن تمثل مخرجاً بالنسبة إليها.
في المحصّلة، لا تستبعد هذه المصادر أن تبادر إسرائيل، في الأيام المقبلة، إلى المزيد من الإستفزازات، لا سيما في حال لم تنجح الجهود الدولية في الوصول إلى تهدئة تكون مقدمة لأخرى على الجبهة الجنوبية، لكنها تلفت إلى أن شروط المواجهة الشاملة لا تزال غير متوفرة، وهي ترتبط بالدرجة الأولى بالموقف الأميركي، بالإضافة إلى مبادرة "حزب الله" إلى ردّ كبير، بالرغم من إشاراتها إلى أنّ ردًّا من الحزب دون هذا المستوى لكن أعلى ما يحصل حالياً، قد يكون عاملاً مساعداً في الردع.