في الساعات الماضية، طُرحت الكثير من الأسئلة حول الأسباب التي تكمن وراء الأجواء الإيجابية التي تُبث داخلياً حول الإستحقاق الرئاسي، لا سيما أن ليس هناك ما يمكن الركون إليه في هذا المجال، نظراً إلى أنّ الجميع مقتنع بأن الأمور تتوقف، بالدرجة الأولى، على حراك خارجي واضح المعالم، في حين الأجواء الإقليمية تبدو غير مشجعة حتى الآن.
إنطلاقاً من ذلك، ذهبت بعض الجهات الداخلية للبحث فيما إذا كان وراء ما يُطرح إشارات خارجية ما، الأمر الذي ثبت أنه غير متوفر، ما دفعها إلى العودة لعدم التعويل على كل ما يحصل، على قاعدة أن الخارج وحده هو القادر على تحريك المياه الراكدة.
في هذا السياق، تشير مصادر نيابية، عبر "النشرة"، إلى أنه من الممكن التمييز بين نوعين من التحركات الداخليّة، الأول ينحصر في السعي إلى البحث عن دور، من منطلق ملء الفراغ السياسي الراهن بإنتظار ظهور حراك خارجي قادر على إنجاز الإستحقاق الرئاسي، وهو ما قد يساعد في الحفاظ على الحد الأدنى من الإستقرار المحلي، أي منع الذهاب إلى المزيد من التصعيد السياسي.
وتلفت هذه المصادر إلى أن النوع الثاني ينطلق من المخاوف التي لدى بعض الأفرقاء من حصول مقايضة رئاسية، يكونون هم، من حيث المبدأ، خارجها، ربطاً بالحديث المتكرر عن ضرورة الذهاب إلى إتفاق لترتيب الأوضاع الجنوبيّة، على إعتبار أن الخارج، تحديداً الولايات المتحدة الأميركيّة، عندما تأخذ القرار بالذهاب إلى تسوية، ستعمد للحديث مع الجانب القوي المؤثر، أي "حزب الله"، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
بناء على ما تقدم، تتجه الأنظار، في الوقت الحالي، إلى إمكانية الوصول إلى إتفاق على تهدئة في قطاع غزة، الأمر الذي من المرجّح أن يقود إلى تهدئة أخرى على الجبهة الجنوبية، حيث يعتبر البعض، في الداخل، أن ذلك من الممكن أن يفتح الباب أمام إعادة تحريك الملف الرئاسي، من منطلق أن بعض القوى الدولية والإقليمية قد تستغل الفرصة المتاحة.
في هذا الإطار، توضح المصادر النيابية نفسها أن هذه الفرضية ممكنة، لكن من جهة ثانية من الضروري التنبه إلى أن أي إتفاق على تهدئة في قطاع غزة، سينقل البحث إلى كيفية تكريسها، نظراً إلى أن هذه الحرب هي الملف الإقليمي الأول على جدول الأعمال، بينما يأتي الملف اللبناني، من مدخل المواجهات على الجبهة الجنوبيّة، ثانياً، بسبب إرتباطه بالواقع في غزة، وعدم القدرة على الفصل بينهما.
على المستوى السياسي الداخلي، ترى هذه المصادر أنّ الأمور لم تنضج بعد لعدة أسباب، تبدأ من الإنشغال الخارجي بملفّات أكثر أهميّة، بدليل عدم إنعقاد إجتماع اللجنة الخماسيّة المنتظر حيث تم التعويض عنه بإجتماع السفراء في بيروت، ولا تنتهي بأن التوازنات التي ستحكم أي تسوية تنتظر الصورة التي ستكون عليها المنطقة بعد العدوان الإسرائيلي على غزة والجنوب، بل تشمل أيضاً التباين في وجهات النظر بين القوى الخارجية المؤثّرة في الساحة اللبنانية.
في المحصّلة، تذكر المصادر نفسها أنّ التحركات الداخليّة، قبل التطورات التي فُرضت بعد السابع من تشرين الأول الماضي، لم تكن قادرة على إنتاج تسوية رئاسيّة، وبالتالي مع تحولات كبرى من هذا النوع من الصعب توقع نجاحها، خصوصاً أن ليس هناك ما يوحي بإمكانيّة تقديم تنازلات من قبل الجهّات الأساسيّة، بل على العكس من ذلك، كل منهم يتشدد في موقفه أكثر.