أشار البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إلى أنّ "الانتماء إلى لبنان عبر المواطنة وليس عبر الدّين، ولكن إذا راجعنا الدستور ليس هناك للدّين أيّ دور في الحكم، فلبنان تعدّدي ضمن وحدة الوطن، وهنا يكمن جماله".
وأكّد، خلال رعايته مؤتمرًا لـ"لقاء الهويّة والسّيادة"، لاستكمال مناقشة مضمون وثيقته الوطنيّة "رؤية جديدة للبنان الغد"، في الصّرح البطريركي في بكركي، أنّ "هذه الوثيقة ايجابية وتحمل قسمين، القسم الثابت والقسم الذي يشكّل مسائل، القسم الثابت هو أن لبنان دولة مدنية فمنذ العام 1920 فصل لبنان الدين عن الدولة في جملة تقول أن الانتماء الى لبنان يتمّ عبر المواطنة لا عبر الدين، واذا أخذنا الدستور فلا يوجد أي شيء يجمع الدين والسياسة".
ولفت الراعي إلى أنّ "الثابتة الثانية فهي أن لبنان تعددي وهذا جماله فهو مؤلف من مكونات عدة ثقافية ودينية ضمن وحدة الوطن، وكي نعيش هذه التعددية في الوحدة وُجد ما يُعرف بالميثاق الوطني والذي جدده اتفاق الطائف ونظمه الدستور. الثابتة الثالثة هي من صميم طبيعة لبنان على الرغم من أنها قد تخلق حالة جدل، وهي لبنان الحيادي لانه لا يمكن أن لبنان التعددية والديمقراطية اذا لم يكن حيادياً، فهو منذ انطلاقته عام 1943 كان التركيز على التحييد والحياد والنأي بالنفس، ولو كان البعض اليوم لا يقبلها فأنا أقول أن هذا من صميم الهوية اللبنانية، وهذا ما أسميته القسم الثابت، أما القسم الجديد فهو إدخال عناصر تتجاوز الدستور كما هو اليوم وتتجاوز اتفاق الطائف، فنحن نقول دائماً دعونا ننفذ اتفاق الطائف نصًّا وروحاً، ثم يمكننا السير الى الامام".
وأشار إلى "أننا اليوم أمام طروحات مستقبلية، لكنها لا يمكن أن تحل مكان اتفاق الطائف أو مكان الدستور، وهذا ما سناقشه اليوم من كل جوانبه، وأكرر الترحيب بالجميع".
ثم كانت كلمة الوزير السابق سلامة الذي قال: "لبنان الجريح يناديكم لإنقاذه واخراجه من قلب العاصفة قبل فوات الاوان، مسؤوليتكم كبيرة في استنباط العلاج، وقيام الدولة على أسس وقواعد صلبة، لا تزعزع متانتها أزمة داخلية، أو عاصفة خارجية، أنتم أصحاب الشأن في إقرار، إما موت الدولة، وإما تعافيها وولادتها من جديد".
وأكّد "أننا نضع بين أياديكم رؤية جديدة للبنان الغد، عمل لقاء الهوية والسيادة على صياغتها وتطويرها، لعلها تساهم في معالجة أزمات لبنان المستعصية، القديمة منها والمستجدة، وتداوي هواجس اللبنانيين المتأتية من تنوع المجتمع اللبناني من جهة، ومن أزمات لبنان الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة من جهة ثانية، موضحًا أنّ "هذه الوثيقة منبثقة من روح اتفاق الطائف الذي حاولوا تنفيذه بمنطق الغلبة، إلا أنه تبيّن لهم لاحقا أنّ لبنان الدولة والكيان هو الوحيد الذي خرج من معركتهم مغلوبا، مفككا ومنهك القوى، فكانوا أبرز ضحاياه، بينما أعداء لبنان وحدهم شربوا نخب الانتصار، فهل من يتعظ ويستجيب؟ نعم أيها السادة، أنتم استجبتم. من هنا أنتم مدعوون اليوم، لمناقشة هذه الرؤية بعمق وتبصّر، لعلها تكون مركب الخلاص".
وأضاف "أما الذين تغيبوا، حرصًا منهم على حماية دستور مزوّر منع قيام الدولة، فاستثمروا به وملأوا الفراغ، أم لذمية سياسية لم تحفظ يوما كرامة وطن، أم لنضج سياسي لا يزال رضيعا عند البعض، فلهم نقول أننا في لقاء الهوية والسيادة، نعتبر الارتهان للخارج أيا تكن الجهة المرتهن لها، هو تعدّ صارخ على السيادة وبمثابة خيانة للوطن، وأنّ حكم التاريخ لا بدّ آت والتاريخ لا يرحم".
ثمّ كانت مداخلات لعدد من المشاركين، حيث حذر الشيخ محمد حيدر احمد من "الانتقال من الطائفية إلى المذهبية اي إلى المرحلة الأخطر مشددا على رفضه لاعتبار لبنان بلدا تعدديا وإنما بلد ذات تلاوين متعددة، رافضا الحديث عن حقوق المسيحيين او المسلمين وإنما ضرورة التشديد على حقوق اللبنانيين التي تضمن حقوق كل المكونات".
بدوره، شدد النائب سيزار ابي خليل على "ضرورة الشراكة بين أبناء الوطن"، منوها بما أنجزته النسبية في القانون الانتخابي، رافضا التخلي عن دوائر الانتشار، مطالبا بتوسيع صلاحيات مجلس الشيوخ.
أمّا النائب سليم الصايغ، اعتبر أنّ "أهم ما في هذه الوثيقة وجودها ووضعها للمناقشة وهي تتطلب مؤتمرا وطنيا لما تتضمنه من نقاط".
ولفت إلى أنّ "الميثاق الوطني ليس بين مسيحيين ومسلمين وإنما بين نظرتين للبنان، إضافة إلى نقطتي الشراكة والحياد الذي لا يجب أن يكون ظرفيا وإنما أن يكون من ضمن الميثاق، وشدد على تحري المواطن من طغيان الفقر والعوز فيأخذ حقوقه من الدولة مباشرة دون الحاجة إلى حزب او وساطة".
بدوره، النائب أنطوان حبشي سأل عن "المانع من تطبيق اللامركزية وهي موجودة في صلب الدستور"، مطالبا بضرورة "احترام الاختلاف مع إعادة قراءة المشكلة بعيدا عن ربطها بإدارة شؤون المواطن، إذ يمكن أن نبقى فترة طويلة من دون حكومة ولكن ما علاقة الدواء والنفايات ولقمة العيش؟".
أما النائب الياس جرادي، فأكّد أنّ "المشاركة اليوم تنبع من إيماننا بالحوار الديموقراطي وصولا إلى الدولة التي نحلم بها لان لبنان بلد عصي على الموت والتغيير آت لا محالة معربا عن أمله بأن يصبح لبنان بلدا منحازا إلى الإنسانية".
بدوره، لفت النائب نعمة افرام إلى "ضرورة تثبيت المناصفة في الإدارة لتسهيل العبور إلى المواطنة"، مشيرًا إلى أن "النسبية في الدوائر الصغيرة مهمة لاسيما اذا ازلنا القيد الطائفي"، مشددا على "عدم تخصيص مواقع لمذهب او لطائفة (رئاسة الجمهورية وغيرها) أمر رائع مع اعتماد المناورة تجنبا للتعداد والصراعات الخفية مع كل انتخابات".
وطالب بانتخاب رئيس للجمهورية على اساس القاعدة التأهيلية من الشعب، على أن يكون التصويت النهائي لمجلس النواب، خاتما بالمطالبة بأن يكون الدخول إلى المجلس النيابي على اساس 64 نائبا و64 شيخًا.
وفي الختام اتفق المجتمعون على استمرار التواصل في سياق متابعة النقاش من خلال حوارات جانبية على امل انعقاد مؤتمر ثاني يصار فيه الى تحديد الخطوات المستقبلية.