تزداد المشاكل يومًا بعد يوم في صفوف العائلات، نتيجة تراكمات عديدة، منها الاقتصادية، ومنها الاجتماعية، وكثيرٌ منها الأخلاقية، ناهيكم عن النفسيّة...
لم تكن المشاكل وليدة مرحلة أو زمن معيّن، إنّما رافقت الإنسان منذ أن كان، وستبقى طالما الإنسان موجود، إلى أن يحلّ حكم الله على الأرض.
تتفاوت وتختلف النسب المئوية لهذه المشاكل، بين جيل وآخر، وبين بيت وآخر، و بين بلد وآخر، إلا أن المقياس والمبدأ واحد، حيث أن معظم المشاكل لا تجد طريقًا للحلّ طالما الإنسان يتعنّت في رأيه ويتكابر في مواقفه.
ما من تعنّت أو تكابر إلّا ومصيره الهلاك. هذا الأسلوب، لا همّ عند صاحبه، إلّا محاججة الآخر وتبيان خطأه، حتى ولو كان صائبًا. قد يكابر الإنسان لا لإظهار الحقّ، ولكن لمغالبة الخصم. فالمكابر يعرف الحقيقة، لكنّه لا يعترف بها، لمجرّد أنّ مَن صرّح بها شخص لا يُعجبه.
هذه الشريحة من البشر لا تؤمن بحلّ المشاكل، بل "تزيد الطين بلّة". وهذا ما نواجهه، نحن الكهنة، عند مساعدتنا في حلّ مشاكل الناس، الذين يتعنّتون ويتكابرون عند أول المنعطفات العائلية أو الزوجيّة، ولا ينشدون حلّا لمشاكلهم، فتزداد وتتصاعد وتيرة الخلافات، نتيجة رفض الفريقين الاعتراف بأغلاطهما.
المستكبر، في أيّ نزاع، لا يسعى إلى إيجاد الحلول، أمّا المتواضع فيطمح الى حلّها، حيث ينطلق اوّلًا من تحديد المشكلة، وما تحتاجه من إصلاح، من ثمّ يتمّ تحديد الأسباب الجوهريّة للمشكلة التي أمامه وخلفياتها. وإذا كان هناك من محرّضين وراءها، فيعقد العزم على حلّها، أو القبول بطرف ثالث لمعالجتها.
المتواضع لا يترك فرصة دون البحث عن حلول متعدّدة، والأنسب، مع الخيارات الأسلم. فالعاقل والحكيم من الطرفين، إذا وجد، يخطط للّحل وينفّذه. وبرأيي المتواضع، لا يدوم حلٌّ إلّا برضى وقناعة الطرفين، عندها يستطيع المرء قياس مدى نجاح الحلّ الذي يُنشده ويبتغيه.
يبقى للإيمان والرجاء والثقة بالله، الدور الأول والاساسي في حلّ المشاكل العالقة بين طرفي النزاع. فإذا لم يُلق ِالإنسان همّه على الله "فلن يَعوله". أختم بما ورد في إنجيل متّى: "وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ اثْنَيْنِ لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ" (متّى ١٨: ١٥- ١٧).