لا تزال فرضية المقايضة الرئاسية أكثر ما يقلق قوى المعارضة النيابية، من منطلق أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان، رفع من منسوب التعقيدات التي ترافق هذا الإستحقاق، وفتح الباب أمام إمكانية حصول "حزب الله" على مكاسب في الداخل، من منطلق حاجة الولايات المتحدة إلى أخرى متعلقة بالأوضاع الحدودية، بسبب أزمة المستوطنين النازحين من شمال اسرائيل، وهي لذلك كانت المبادرة إلى التحذير من هذا السيناريو.
في الجهة المقابلة، نفت قوى الثامن من آذار هذه الفرضية، في أكثر من مناسبة، متحدثة عن أنها لا تقبل تقديم أي تنازلات حدودية مقابل أي ملف داخلي، بالرغم من طرح الأمر معها من قبل بعض الوسطاء الدوليين، على عكس الإتّهامات التي توجّه لها من قبل الفريق الآخر، حيث تتحدث قوى المعارضة عن أن قوى الثامن من آذار هي من تطرح فكرة المقايضة.
في مطلق الأحوال، هذه الفرضيّة تبقى قائمة من الناحية العمليّة، بغض النظر عن الجهة التي تطرحها أو تقف خلفها، إلا أنّ السؤال يبقى حول قدرة الأفرقاء المعارضين على إسقاطها، خصوصاً أن المعطيات الحالية توحي بأن ليس لديهم من أوراق قوة قادرين على إستخدامها، في حال فرضت عليهم مثل هذه المواجهة.
في هذا السياق، تؤكّد مصادر نيابيّة معارضة القدرة على إسقاط هذه الفرضية بشكل كامل، حيث تلفت إلى أن أي معادلة تحتاج، في نهاية المطاف، إلى ترجمتها في المجلس النيابي، وترى أن هذا الأمر لا يمكن أن يتم من دون موافقتها، بالرغم من تأكيدها أن القوى الدولية والإقليمية المعنية لا تزال ترفض هذا الأمر، حيث تشير إلى أنها، في حال وصول رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية إلى أكثرية مؤيدة من 65 صوتاً، سيتم اللجوء إلى ورقة تعطيل النصاب.
بالنسبة إلى إمكانيّة لجوء الولايات المتحدة إلى مثل هذا الخيار، تشدّد هذه المصادر على أنه وفق المعلومات المتوفّرة لديها فان هذا الأمر غير مطروح على الإطلاق، وتشير إلى أن هناك موقفاً دولياً غالباً يصب في إطار دعم الخيار الرئاسي الثالث، الذي لا يزال يتقدم فيه إسم قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون على سواه، لكن المشكة تكمن بأنّ الفريق الآخر "يخطف" هذا الإستحقاق، وتضيف: "حتى ولو قررت واشنطن المقايضة، فإنها لا تستطيع أن تجبر النواب على الذهاب إلى المجلس النيابي".
في هذا الإطار، لا يزال رئيس تيار "المردة" يستند إلى أكثرية من 51 صوتاً، حصل عليها في جلسة الإنتخاب الشهيرة، التي تنافس فيها مع الوزير السابق جهاد أزعور، بعد التقاطع على الإسم بين "التيار الوطني الحر" وقوى المعارضة، على عكس ما هو حال باقي الأسماء المقترحة التي تنتظر "التقاطع" حولها، لمعرفة عدد الأصوات التي من الممكن أن تحظى بها.
في قراءة أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، قوى المعارضة ستكون قادرة على إسقاط فرضية المقايضة، في حال لم تحظَ بدعم دولي شامل، على إعتبار أن تأييدها من قبل الولايات المتحدة لا يحول دون رفضها من قبل أفرقاء آخرين، وتشير في هذا المجال إلى إمكانية أن تستند هذه القوى على دعم أو موقف سعودي رافض، الأمر الذي يعزز من موقعها في المواجهة، خصوصاً أن العديد من الأفرقاء، الذين ينظر إليهم على أساس أنهم قد لا يمانعون إنتخاب فرنجية، لن يقدموا على ذلك من دون موافقة الرياض.
بناء على ذلك، تطرح هذه الأوساط فرضية أن تحظى المقايضة بدعم من قبل السعودية، الأمر الذي لا يمكن إستبعاده بشكل كامل إنطلاقاً من التطور القائم على مستوى العلاقات بين الرياض وطهران، حيث تشير إلى أنه في هذه الحالة لن تكون قوى المعارضة قادرة على المناورة كثيراً، بل على العكس من ذلك قد تستسلم إلى هذا الخيار، حتى ولو كان ذلك عن طريق تأمين نصاب جلسة الإنتخاب فقط، نظراً إلى أنه في هذه الحالة ستكون أكثرية من 65 صوتاً حاضرة لإنتخاب رئيس تيار "المردة" رئيساً.
في المحصّلة، لدى الأوساط نفسها قناعة بأنّ الإستحقاق الرئاسي بات مرتبطاً بشكل كامل بالتطورات الإقليميّة، الّتي من المؤكّد أن نتائجها مفتوحة على كافة الإحتمالات، وترى أن ما يفرضه البعض اليوم، من منطلق "الحرص على المصلحة الوطنيّة"، قد يوافق عليه غداً من المنطلق نفسه، بعد تقديم الأسباب الموجبة لذلك، لتبرير موقفه أمام الرأي العام والمناصرين.