أشار رئيس الهيئات الاقتصاديّة اللّبنانيّة الوزير السّابق محمد شقير، إلى أنّ "الجميع كان متخوّفًا من سقوط الدّولة جرّاء الأزمة الاقتصاديّة، لكن هذا الأمر لم يحصل جرّاء فعاليّة الهيئات الاقتصادية وقوّة القطاع الخاص المبادر والنّاجح بالدّاخل والخارج"، مبيّنًا أنّ القطاع الخاص تمكّن من أن يتدبّر أموره، في ظلّ عدم وجود أيّ دعم حكومي، أو قطاع مصرفي يقف إلى جانبه".
وذكر، خلال لقاء حواري معه، تحت عنون: "لبنان بين الأزمات والحلول"، من تنظيم المركز الإسلامي في مركزه في عائشة بكار، أنّ "في موازاة كلّ هذه المعاناة، كان لا يأتينا من الدّولة خلال السّنتين الماضيتين سوى المصائب، ولعلّ آخرها الموازنة وما تضمّنته من ضرائب جديدة مرهقة".
وعن موضوع الأجور، لفت شقير إلى أنّ "القطاع الخاص استطاع أن يعيد الاعتبار لرواتب العاملين لديه. لكن العاملين في القطاع العام ما زالوا مظلومين، على الرّغم من المرسوم الّذي صدر عن مجلس الوزراء بشأن زيادة رواتب القطاع العام، لأنّه غير واضح ولا نعرف كلفته، ولكن ما نعرفه أنّه سيعطي القليل من حقوق القطاع العام"، مشدّدًا على أنّه "في النهاية مهما عمل القطاع الخاص، بدون القطاع العام لا يمكنه السّير كما يجب، كما أنّنا مهما حاولنا فإنّنا بحاجة إلى قطاع مصرفي قوي".
وبالنّسبة لإعادة الودائع، أكّد أنّ "الودائع مقدّسة. أوّلًا المطلوب من المسؤولين مصارحة المودعين، وثانيًا يجب تحديد المسؤوليّات عبر تراتبيّة المسؤوليّة: أوّل مسؤول الدّولة، ثاني مسؤول هو مصرف لبنان، وثالث مسؤول هي المصارف".
كما رأى أنّ "المسألة بكلّ صراحة بحاجة لجرأة، ونحن في الهيئات الاقتصاديّة وضعنا خطّة تعافي في العام 2022، ترتكز بشكل أساسي على موضوع إعادة الودائع ضمن برنامج زمني محدّد، وكذلك على الحفاظ على القطاع المصرفي لأنّه يشكّل المحرّك الأساسي للاقتصاد، وهذه الخطّة تمّ عرضها على الجميع وعلى صندوق النقد الدولي، لكنّ النّقطة الأساسيّة في خلافنا مع الصّندوق هي أنّه لا يريد الاعتراف بأموال المودعين".
واعتبر شقير أنّ "أكبر عمليّة فساد حصلت في لبنان بين العام 2020 و2021 عبر موضوع الدّعم، حيث تمّ هدر أكثر من 14 مليار دولار من الاحتياطي الإلزامي أي من أموال المودعين"، مركّزًا على أنّ "الاقتصاد غير الشّرعي بات يشكّل بين 55 و60 في المئة من حجم الاقتصاد الوطني".
وبموضوع الأمن في لبنان، وجّه تحيّةً كبيرةً للقوى الأمنيّة والعسكريّة، "لقيامهم بمهام بطوليّة والإمساك بالوضع الأمني والحفاظ على الاستقرار، في ظلّ ظروف معيشيّة وحياتيّة بالغة الصّعوبة، وفي ظلّ تدنّي قيمة رواتبهم لنحو 40 دولارًا شهريًّا".
وعن الاستثمارات الخارجيّة، أشار إلى أنّ "جذب المستثمر الأجنبي والعربي والخليجي لن يأتي كما في الماضي بالعاطفة وبالكلام الجميل، أو استنادًا إلى علاقات تاريخيّة أخويّة، بل المطلوب اليوم تقديم رزمة قوانين مشجّعة ومحفّزة للاستثمار، والّتي وحدها هي تجذب المستثمرين".
أمّا عن الوقت المطلوب لإعادة النّهوض بلبنان، فأوضح شقير أنّ "لبنان دولة صغيرة وتعداد سكانها صغير، في المقابل تمتلك إمكانات هائلة وكبيرة من قطاع خاص حيوي وجالية كبيرة تعمل في الخارج ومغتربين، لذلك أنا على يقين أنّه إذا تمّ انتخاب رئيس جمهوريّة وتشكيل حكومة جديدة وتعديل القوانين لجذب الاستثمارات وإجراء الإصلاحات الضّروريّة، فأعتقد أنّ البلد خلال سنتين إلى ثلاث سنوات يعود للنّهوض من جديد وبقوّة كبيرة"، لافتًا في هذا الإطار إلى "الحركة الاقتصاديّة النّشطة الّتي تمّت في العام 2023، وتُوّجت في صيف 2023، والّتي حقّقت الكثير من التّقدّم والنّمو".
وأضاف: "محاربة الفساد تكون عبر اتخاذ قرار صارم باتجاهين، خصخصة إدارة مؤسّسات الدّولة، وتنفيذ قانون الشّراكة بين القطاعَين العام والخاص، وتنفيذ المكننة الشّاملة في مؤسّسات الدّولة وإداراتها العامّة"، مشدّدًا في هذا المجال على "ضرورة هيكلة القطاع العام لجهة إجراء دراسات دقيقة حول الفائض من الموظّفين في دوائر محدّدة، وحاجات الدوائر الأخرى لتقييم هذه الأمور وإعادة توزيعهم". وركّز على "ضرورة تحسين الأجور في القطاع العام، لكن على أن يرتبط ذلك بإنتاجيّة الدّولة وزيادة مداخيلها".
وبالنّسبة لموضوع النزوح السوري، حذّر من أنّ "لبنان يمرّ في أخطر أزمة وجوديّة جرّاء التّداعيات الخطرة للنزوح السوري"، منوّهًا إلى أنّ "مؤتمر النّازحين الّذي تمّ تنظيمه مطلع الأسبوع في الأمن العام برعاية وزارة الداخلية والبلديات، وَضع خارطة طريق لمعالجة النزوح السوري". وأكّد "ضرورة تكاتف كلّ القوى السّياسيّة لمعالجة هذا الموضوع، ضمن القوانين والأنظمة المرعيّة الإجراء وضمن الأصول، بعيدًا من أيّ مظاهر تتعارض مع تقاليدنا وأعرافنا وأخلاقيّاتنا".
وتعليقًا على الأزمة السّياسيّة ومطالبة البعض بتغيير النّظام في لبنان، وجد شقير أنّ "هذا الموضوع ليس مطلوبًا على الإطلاق. البلد يعود إلى الانتظام العام ويستعيد عافيته، شرط أن يتمّ تطبيق اتفاق الطائف بشكل كامل، وأنا متأكّد أنّ كلّ شيء سيتحسّن في البلد".