أوضح وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين، بإطار تقييمه للخطّة الّتي وضعتها لجنة إدارة الكوارث في الحكومة، والّتي تحاكي احتمال وقوع حرب واسعة مع إسرائيل، ومسار عملها على أرض الواقع حتّى الآن، أنّ "خطّة الطّوارئ تحاكي سيناريو وقوع حرب واسعة بالاستناد إلى ما حصل في تمّوز 2006، كونها تتيح المقارنة المعياريّة. والاعتداءات في غزة أعادت إلى الأذهان الصّورة ذاتها، وهذا ما فرض أسئلةً عن الاستجابة لما يحصل ويمكن أن يحصل".
وأشار في حديث صحافي، إلى أنّ "لذا، أُعدّت الخطّة بنسختها الأولى، بناءً على تصوّر أنّ عدد النّازحين سيصل إلى مليون شخص على مدى 45 يومًا من المعارك والحصار، الّذي يتضمّن إغلاقًا كلّيًّا للمرافئ والمطارات. وتبيّن لنا وجوب التّنسيق مع الوزارات والمجتمع المدني وكلّ القطاعات القادرة على المؤازرة"، مبيّنًا أنّ "هكذا باشرت الدّوائر المعنيّة في كلّ وزارة، بتحديد ما لديها من مؤن على شاكلة الغذاء، الوقود، أدوات تعقيم وغيرها. وحدّدت مناطق على الخرائط تبعًا لمستوى المخاطر بالاستناد إلى ما حصل في 2006: مناطق حمراء (اعتداءات مباشرة)، صفراء (خطّ دفاع أوّل لفرق الإغاثة)، وخضراء (بعيدة عن الحرب وأكثر أمانًا)".
وكشف ياسين أنّ "حتّى الآن، لا موارد متاحة لدى الحكومة"، لافتًا إلى أنّ "بالاستناد إلى دراسة الكلفة التي قدّرتها لجنة الطوارئ بناء على عدد أيام الحرب وحاجات الإيواء لـ80% من النازحين المفترضين، تبيّن أن هناك حاجة إلى مبلغ يراوح بين 120 مليون دولار و150 مليوناً، أما إذا توسّعت الحرب أكثر، فستحتاج اللجنة إلى موارد أكبر. على هذا الأساس، دعونا المنظمات الدولية لوضعها في هذه الصورة، وهي من المرات القليلة التي تُدعى هذه الجهات من دون أن تبادر".
وذكر أنّه "تبيّن أن لدى هذه المنظمات أموالاً مرصودة للإنفاق في لبنان على مشاريع محدّدة سابقاً، مثل الخطة المعروفة باسم "3RF" التي وضعت بعد انفجار مرفأ بيروت لإغاثة وإعادة ترميم المنطقة، ومشروع "LCRP" الخاص بالنازحين السوريين في لبنان. لذا، نقل بعض التمويل إلى الخطة، ولا سيما أن الاعتداءات سبق أن بدأت في الجنوب، وبدأ النازحون بالوصول إلى صور، وصارت الأمور تأخذ منحى مغايراً".
كما فسّر أنّ "بمعنى آخر، المنظومة موجودة وتم تطويرها عبر تقسيم القطاعات إلى 10: الأمن الغذائي، الإيواء، المساعدات الأساسية، الحماية، المياه، الخدمات الصحية، التجهيزات اللوجستية، الاستقرار الاجتماعي، التغذية والتربية. كل قطاع تتولى إدارته الوزارة المعنيّة بالمشاركة عدد من المنظمات".
وأفاد ياسين بأنّ "مع بدء الاعتداءات على لبنان، انتقلت اللجنة إلى سيناريو يعتمد على أعداد النازحين الفعليين، إنما بتقدير أن فترات النزوح أطول. فقد ارتفع عدد النازحين من 4 آلاف في الأيام الأولى، ليبلغ 90 ألفاً مع احتمال وصول 100 ألف آخرين، أي 200 ألف نازح. هناك 50 ألف صامد في قرى المواجهة، بينما 98% من النازحين يسكنون في بيوت بعدما استضيفوا في قرى محاذية لمناطق المواجهات، و2% في مراكز الإيواء التي فُتحت في مدينة صور فقط. فقد انتقل عدد كبير من النازحين إلى هذه المراكز، إلى منازل أقارب أو فُتحت لهم منازل".
وركّز على أنّ "في فترات النزوح الطويلة، الأفضل السكن في منازل وليس في مراكز إيواء. وهذا الأمر حصل على قاعدة التكافل، وجزء منه له علاقة بـ"حزب الله" ومؤسّساته، وله علاقة بالبلديات أيضاً، أو بقدراتهم المالية وصلاتهم العائلية"، مشدّدًا على أنّ "هنا، تغيّرت الكلفة والحاجات والسيناريو المتوقع. السيناريو الذي نعمل عليه الآن هو الأقرب إلى الواقع، أي فترات نزوح طويلة أو عدد نازحين أقل، وفي حال توسعت الحرب، نعود للخطة الأولى".
وعن كلفة السيناريو الحالي، أعلن أنّ "حتى الآن، وُزّعت مساعدات على النازحين بقيمة 20 مليون دولار مصدرها المنظمات الدولية. وبناء على تقديرات السيناريو حول مدة النزوح التي ستمتد إلى الصيف، فإن الحاجة التمويلية تبلغ 76 مليون دولار حتى حزيران، ولكن لم يتأمّن من هذا المبلغ سوى 17 مليون دولار من موازنات سابقة للمنظمات الدولية؛ التي أعادت توزيع بعض المخصصات المالية".
وأكّد منسّق اللجنة الوطنية لمواجهة مخاطر الكوارث والأزمات، أنّ "ما يثير "النقزة"، هو تشدّد الدول المانحة في مسألة التمويل. الواضح أنّ المانحين لا يريدون المساعدة. يقولون للمنظمات الدولية تصرفوا بالموجود، إنما لا مانع لديهم من نقل الموجود في الموازنات. نحن بحاجة أن تفكّ الدول المانحة تشدّدها السياسي، لكن نحن بحاجة إلى همّة دبلوماسية أكبر".
وأشار إلى "أنّنا نلحظ غياب الدول المانحة الأساسية مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وألمانيا، التي موّلت خطط الاستجابة للنازحين السوريين بوضع عشرات الملايين بأيدي المنظمات. الدول المانحة أبلغت هذه المنظّمات أنه لا وجود لتمويل إضافي حالياً".
وأضاف: "بغاية التمويل، سندعو إلى مؤتمر للهيئات المانحة على مستوى السفراء يُعقد في لبنان، لوضعهم في صورة الوضع الخاص في الأشهر الماضية، وسنطلب تمويلاً إضافياً. وفي حال حصل وقوع الحرب الشاملة، فنذهب إلى طلب الدعم السريع من الدول المانحة، إذ لا شروط تمويلية أثناء الحروب".
أمّا عن مخاطر الاعتماد على المانحين بدلاً من الدولة، فأوضح ياسين أنّ "في مجلس الوزراء، لم تُفتح اعتمادات بشكل كبير. الوزارات عليها أن تسعى إلى طلب التمويل، ولكن أغلبيتها لم تُقدم على ذلك. ولجنة إدارة الأزمات لا بندَ مخصّصاً لها في الموازنة. لذا، لم نستطع رصد مبالغ مخصّصة لحالات الطوارئ في الموازنة، سوى ما قامت به وزارتا الصحة والأشغال، اللتان وضعتا آلية لإعادة إعمار الجسور والطاقة. إذ جرى فتح اعتماد للصحة لدفع أكلاف علاج الجرحى، وعلى إثرها عدّل الوزير تعرفة المستشفيات ورصد مبلغ 11 مليون دولار من الخزينة".
ولفت إلى أنّه "فُتح اعتماد آخر بقيمة 6 ملايين دولار، أغلبيته بعنوان "تعزيز الجهوزية"، مثل حصول مراكز الدفاع المدني على المال لإصلاح آلياتها. ورغم أنّ مجلس الوزراء لا يرفض فتح اعتمادات خاصة بالجنوب، التربية مثلاً اعتمدت على المانحين"، مبيّنًا أنّ "من جهته، مجلس الجنوب لم يحصل على اعتماد إضافي، بل وافق مجلس الوزراء على تعديل قيمة التعويضات التي يدفعها على الشهداء والجرحى والمنازل المتضررة والمدمرة، وأصبحت كأنّها مدولرة بعد أن كانت محتسبة على 1500 ليرة لكل دولار؛ بمعنى آخر سيدفع 40 ألف دولار عن كلّ وحدة سكنية مدمرة".
وعمّا تقدّمه أذرع لجنة الطوارئ على الأرض، أفاد بأنّ "كل العائلات التي تهجّرت حصلت على مساعدات غذائية. كما حصلت العائلة النازحة على مساعدة مالية قيمتها في كل مرّة 100 دولار. كذلك، وزّعت مساعدات أساسية (فرش، بطانيات، ملابس شتاء، بطارية تعمل على الطاقة الشمسية، وأدوات طبخ أساسية) عبر المفوضية العليا للاجئين، ووزعت اليونيسيف أدوات تنظيف أساسية. هذه المساعدات بمنزلة "تلزيق جرح"، فالناس تركوا أشغالهم الرئيسية".
وشرح أنّ "توزيع المساعدات يتم عبر المنظمات الدولية والمحافظين والبلديات. آلية التوزيع هي على النحو الآتي: عند وصول نازحين إلى قرية ما تقوم البلدية بإبلاغ المحافظ، وتصل الأسماء إلى قاعدة معلوماتية، فترفع الحاجات إلى غرفة العمليات حيث توجد المنظمات الدولية وممثلو لجنة الطوارئ. في صور، غرفة العمليات موجودة عند اتحاد البلديات، في النبطية عند المحافظ، في حاصبيا عند اتحاد البلديات، وفي جبل عامل عند رئيس بلدية قبريخا".
وشدّد على أنّ "باستثناء ما قام به مجلس الجنوب ووزارة الصحة والشؤون الاجتماعية، فإن تمويل الدولة ضئيل، وتوزيع المنظمات للمساعدات بطيء، ولكنها تصل بالحد الأدنى منها. ولكن هناك خوف من القدرة على الاستمرار إذ يمكننا تأمين شهر مثلاً، فماذا لو استمرّت الأحداث لسنة".