ليس للانتخابات الرئاسية في لبنان من مثيل في العالم، فهي تخضع لقواعد شكلية تُلزمها بأن تصدر عن مجلس النوّاب، فيما كل ما تبقى يرتبط بأمور ومعطيات ومصالح سياسية اقليمية ودولية. ومن بين الامثلة العديدة والكثيرة عن سير هذه الانتخابات، عدم الحاجة الى الترشّح والتقدم ببرنامج انتخابي ليصار على اساسه تحديد مدى قبول هذا المرشح او ذاك لدى النواب، ويُستعاض عن ذلك برمي الاسماء شمالاً ويميناً، او تبنّيها من قبل هذه المرجعيّة السّياسية والحزبيّة والدينيّة ربما، او تلك.
وكي لا نستفيض في تعداد الغرائب والعجائب التي تسود الانتخابات الرئاسيّة في لبنان، نعود الى الواقع الحالي الذي يرسّخ وجود مرشحين معلنين هما قائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ولكن التدخلات الاقليمية والدولية فتحت باباً امام شخصيّة ثالثة افسحت لها المجال للدخول الى السباق، وهنا بدأت المشاكل. تم طرح اسماء عديدة إمّا لاحراقها وقطع ايّ فرصة لها للمشاركة الجدية، وإما للإضاءة عليها وجسّ النبض حول التفاعل معها وقبولها لدى الاطراف الخارجية المعنية.
يؤكّد مصدر مطلع على بورصة الاسماء، انه مع تراجع اسم المدير العام للامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري بعد الاندفاع القطري الزائد لطرحه مع العماد عون، وعدم موافقة الاميركيين عليه ورغبتهم في استعادة المبادرة و"تنفيس" الحماسة الزائدة للقطريين والفرنسيين على حد سواء، ظهر من جديد اسم السفير السابق جورج خوري (عميد متقاعد). بداية، لم يتمّ اخذ الامور بشكل جدي، انما، بحسب المصدر نفسه، بدأ اسم خوري يكتسب مكانة معيّنة في المباحثات والمفاوضات، بدعم علني وسرّي من المرجعيات الدينية المسيحية اي البطريركية المارونية وعدم ممانعة فاتيكانية (خصوصاً وانه شغل سابقاً منصب سفير لبنان في الفاتيكان)، عندها، فُتحت ابواب الجحيم على هذا المرشح وبات "الشيطان المتجسد" الذي سيودي بلبنان الى النهاية في حال وصوله الى بعبدا. ويضيف المصدر ان المآخذ على خوري لا تقارب الفساد والهدر وجرائم القتل والسرقة، بل تركّز على منصبه السابق في الجيش كمدير للمخابرات وهو منصب وصل اليه بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وأُغدقت عليه كل الصفات السيئة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: عميل للاحتلال السوري، خاضع لنفوذ حزب الله وحركة "امل"، اداة بيد قوى 8 آذار...
ويرى المصدر ان هذه الحملة تعتبر ظالمة بالنسبة الى خوري، فكل الضباط في الجيش اللبناني كانوا مضطرين للتعامل مع السوري ابّان السيطرة السورية على لبنان، وبعد خروج السوريين لما احتفظ العميد المتقاعد بمنصبه لو كان خاضعاً للاملاءات السورية، فالشارع والمشاعر كان يغلي ولم يكن لقوى 8 آذار تلك السيطرة التي رسّختها منذ ذلك الوقت وحتى اليوم. أما القول بأنه مرشح الثنائي الشيعي، فترى المصادر أن فيه مبالغة زائدة، اذ كيف يمكن للبطريرك الماروني تبنّي ترشيحه في وقت هو مرشح الثنائي؟ وهل من يصدّق بالفعل ان حزب الله و"أمل" تخلّيا فعلاً عن فرنجية؟ ازاء ذلك، يوضح المصدر أن الهجمة على خوري طبيعية ولكنها تعكس مدى جدية ترشحه وتوجّس القوى الحزبية المسيحية منه، ولكنه (اي المصدر) يوضح ان اي مرشح جدي خارج فرنجية وعون سيلقى المصير نفسه، وبالتالي فإن طريق اي اسم سيتم طرحه سيكون مليئاً بالالغام والعراقيل والعوائق بهدف الحفاظ على حصرية المرشحين الاثنين المتواجدين حالياً على حلبة السباق.
في مطلق الاحوال، لم ينطلق السباق الرئاسي اللبناني بعد، ولم يقفل باب المرحلة الاخيرة من التصفيات، ومن الممكن بعد رؤية مشاركة ثلاثية في المسار الرئاسي بدل المشاركة الثنائية فقط.