منذ دخول البلاد لحظة الشغور الرئاسي، هناك سؤال جوهري لا يملك أحد القدرة على تقديم جواب شاف عنه، يتعلق بالأسباب التي تدفع بعض قوى المعارضة إلى رفض الحوار حول الإستحقاق الرئاسي، لدرجة بات من الممكن معها الحديث عن الحاجة إلى حوار حول الحوار، قبل البحث في كيفية إنتخاب الرئيس المقبل.
هنا، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أنّ بعض الجهات الخارجية، حاولت إقناع القوى المعارضة المعنية بأن الحوار هو أحد المخارج المتاحة، بحسب ما يروج، على قاعدة أن هذا الأمر يحصل دائماً في لبنان قبل أي إستحقاق، لكنها لم تنجح في تحقيق ذلك، بسبب الإصرار على عدم التجاوب.
في هذا السياق، تستغرب مصادر نيابيّة في قوى المعارضة، عبر "النشرة"، الإتهامات التي توجه إلى فريقها السياسي، بينما هي في حقيقة الأمر تطالب بتطبيق الدستور فقط، وتسأل: "هل هناك في الدستور اللبناني ما يفرض الذهاب إلى حوار أو تشاور قبل الإنتخابات الرئاسية"؟ كما ترد على الإنتقادات التي توجه لها بأن ليس لديها ما تقدمه في هذا المجال، بالإشارة إلى أنها سبقت أن طرحت أكثر من مرشّح، من رئيس حركة "الإستقلال" ميشال معوض إلى الوزير السابق جهاد أزعور، وصولاً إلى دعوة الفريق الآخر للتوافق على الخيار الثالث.
بالنسبة إلى هذه المصادر، هناك معادلة لا لبس فيها تكمن بأنّ قوى الثامن من آذار لا تريد إنتخاب رئيس، في الوقت الراهن، على عكس ما تحاول الترويج له لناحية الفصل بين هذا الإستحقاق وملف الحدود الجنوبية، ولذلك ترفض التقدم بأي خطوة إلى الإمام، لا بل هي تتراجع عما كانت قد بادرت إليها في الماضي، أي في بداية مبادرة تكتل "الإعتدال الوطني" قبل أن يقرر رئيس المجلس النيابي العودة إلى ما يدرك أنه مرفوض مسبقاً.
أما بالنسبة إلى رفض الحوار مع "التيار الوطني الحر"، بعد الدعوة الأخيرة التي وجهها إلى بكركي، فتشير إلى أن التيار يريد أن يستفيد من الصورة الجامعة مع القوى المسيحية لتحسين أوراق قوته في العلاقة مع "حزب الله"، بينما هو من الناحية العملية ليس في وارد التخلي عن تغطيته لسلاح "حزب الله"، وترى أنه عندما يقرر الحزب أن يعطي "الوطني الحر"، في السياسة الداخلية ما يريده، سيعود التيار إلى التماهي التام معه.
في المقابل، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه من الطبيعي أن تكون القوى المعارضة قد حصلت على قوة دعم إضافية، بعد المواقف الحاسمة التي أدلى بها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال لقائه سفراء اللجنة الخماسية، وهو ما سيدفعها، في الأسابيع المقبلة، إلى رفع مستوى تصعيدها ضد رئيس المجلس النيابي نبيه بري، خصوصاً أن الأخير بات هو وجهة الإنتقادات التي توجه إلى الفريق الآخر.
على الرغم من ذلك، تؤكد هذه المصادر أن قوى المعارضة ما كانت لتذهب إلى هذا الموقف المتشدد، فيما لو كانت هناك رغبة خارجية حقيقية بالذهاب إلى حوار حول الاستحقاق الرئاسي في المرحلة الحالية، الأمر الذي يدفعها إلى الحديث عن أن هناك من الخارج من يدعم هذا الموقف، على قاعدة أن آوان الإستحقاق الرئاسي لم يحن بعد، وبالتالي لا بأس من إستمرار السجالات الحالية، خصوصاً أن المسؤولية ترمى على عاتق قوى الثامن من آذار.
بالإضافة إلى ما تقدم، تسأل المصادر نفسها عما لدى هذه القوى لتقدمه، في حال الذهاب إلى حوار أو تشاور، حيث تؤكد أنه من الناحية العملية ليس لديها من مرشح حقيقي تحاول إقناع الآخرين به، الأمر الذي يدفعها القلق من إمكانية أن ينجح الفريق الآخر بإقناع بعض الكتل، التي هي في الأصل لا تمانع من حيث المبدأ، بالذهاب إلى إنتخاب رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية.
في المحصّلة، توحي هذه السجالات بأنه لا يزال هناك فرصة لإنجاز الإستحقاق الرئاسي داخلياً، بينما الجميع يدرك أنه سيكون من الخارج، ما يعني أن الجميع سيبقى في مرحلة الإنتظار إلى حين التوصل إلى تسوية على مستوى المنطقة، يكون لبنان جزءاً منها.