ليس فقط الدمار الذي يلحق بالبنية التحتية والبيوت والمنشآت، ولا أرواح العشرات هي ضحايا الحرب الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، فهناك العديد من الكوارث التي أرخت بظلالها على الجنوبيين، وأبرزها الواقع التربوي في منطقة الشريط الحدودي مع اسرائيل، إذ فقد ما يزيد عن 15000 طالب وطالبة مقاعدهم الدراسية جرّاء هذه الحرب، ما ينبئ بأزمة كبيرة في العام الدراسي الحالي.
عندما اندلعت الحرب في الجنوب اللبناني بعد عملية طوفان الأقصى، اضطر الجنوبيون وخاصة أبناء منطقة الشريط الحدودي إلى النزوح تجاه المناطق الداخلية الأكثر أمانًا، وبلغ عددهم ما يزيد عن 100000 نازح، يومها في 9 تشرين الأول 2023 تاريخ اندلاع المعارك، كان تلامذة المدارس الرسمية لا زالوا خارج صفوفهم الدراسية نتيجة إضراب الأساتذة، ومع اندلاع الحرب بقي هؤلاء محرومون من التعلّم.
بعد فك الأساتذة إضرابهم، وبعد خطة من وزارة التربية والتعليم العالي لاستيعاب التلامذة النازحين من قراهم الحدودية، أُلحق عدد كبير منهم في مدارس رسمية ومن كان في الخاصة تابع عن بعد دروسه عبر التعليم عبر الـonline، وهذا ما دفع بالعديد من المدارس الرسميّة إلى أن تتبع نفس الإجراء فأعطت الدروس عن بعد، لكن الكثير من التلامذة عانى من انقطاع الانترنت والاتصالات بسبب تعطل العديد من المحطّات أو تضرّرها جراء الحرب، أو بسبب الوضع الاقتصادي الذي يعاني منه الأهالي الذين عجزوا عن دفع ثمن الإنترنت لأبنائهم.
أما الوضع فكان أكثر صعوبة بالنسبة للحلقات الأولى والثانية، الذين واجهوا صعوبات في التأقلم مع المدارس الجديدة حيث اختلف الواقع عليهم كثيرا، أما طلاب الشهادات الرسميّة فهم الأكثر تضرّرا لأنهم لم يتلقوا بعد منهاجهم المقرّرة لهم من قبل الوزارة كما باقي الطلاب في المناطق اللبنانية، الأمر الذي يضع مصير شهاداتهم على المحك.
ولا يجب أن يغيب عن الحسبان الوضع النفسي لهؤلاء التلامذة والطلاب الذين عاشوا أياما صعبة جراء القصف الإسرائيلي، وكذلك جراء خسارتهم إما لزملاء لهم على مقاعد الدراسة أو لأساتذة ومعلمين قضوا نتيجة النيران الإسرائيلية، كما أن العديد من المدارس تعرّض محيطها للقصف وكانت تعجّ حينها بالطلاب، وهذا ما وثّقته كاميرات المعلّمين الذين نقلوا وضع التلامذة وحالة الذعر التي عاشوها أثناء الغارات أو القصف المدفعي.
من هنا ينبغي على الدولة اللبنانية وعلى وزارة التربية تحديدا أن تضع خطة لإنقاذ الواقع التعليمي في الجنوب اللبناني، وأن تأخذ في الحسبان المخاطر التي تعرّض ويتعرّض لها الأساتذة والطلاب، وأن تسعى إما إلى التعويض على ما فاتهم من المنهج التعليمي، أو اعتماد امتحان وطني يراعي ما تمّ تدريسه لهم، وإلا فإنّ طلاب الجنوب سيدفعون ثمن هذه الحرب الهمجيّة التي تشنّها إسرائيل، والتي تسعى من خلالها إلى إلحاق الضرر بكل المكونات اللبنانية وبكل القطاعات وعلى رأسها القطاع التربوي الذي يشكل رافعة للوطن بعد كل أزمة.