استقطب الخبر الذي انتشر عن استهداف اسرائيل للقنصلية الايرانية في سوريا بغارة مدمّرة، الاهتمام والانظار بعد الاعلان ايضاً عن مقتل قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي. وبدأت لحظات الترقب والمتابعة لردود الافعال لاستشراف ما سيترتب على هذه الحادثة من نتائج وتداعيات.
شخصية رفيعة متابعة للاوضاع في لبنان والمنطقة اعطت وجهة نظرها، واعتبرت اولاً ان الرد الايراني لن يكون مزلزلاً على نحو ما يقال، وعلى الارجح انه سيقتصر على بعض العمليّات العسكرية الاضافية التي سينفذها "حزب الله" وحركة "حماس" والفصائل الفلسطينيّة، ولن يكون هناك اغتيالات لشخصيات اسرائيليّة اساسيّة، او تدخل ايراني مباشر على الاراضي الاسرائيليّة، ما يعني انه لن يتم خرق سقف قواعد المواجهة، علماً ان الاسرائيليين سارعوا الى "توضيح" نقطة مهمّة وهي انهم انتظروا مغادرة القنصل الايراني قبل تنفيذ ضربتهم، وهذا يعني انّهم بعثوا برسالة الى الايرانيين مفادها انهم لا يزالون يستهدفون شخصيات عسكرية ولم تتغيّر الامور، ولو اختلفت الرتب والمناصب.
وتضيف الشخصية ان الحوار الاميركي-الايراني سيبقى على حاله، لانّه منفصل عن المواجهات الميدانيّة والاستخباراتيّة التي تحصل بين ايران واسرائيل، فمحتوى اللقاءات يهدف للتوصل الى تسوية في المنطقة، والخلافات تدور حول نقطة اساسية هي قيمة التنازلات الموضوعة على الطاولة والجهة التي ستستفيد منها، فالاميركيون يلقون بثقلهم لتحقيق انجاز للرئيس الحالي جو بايدن قبل الدخول في متاهة الانتخابات الرئاسيّة، والايرانيّون مترددون في شأن ابرام اتفاق مع الادارة الحاليّة قد تطيح به الادارة المقبلة وتجعلهم يخسرون ايّ مكاسب قد ينالونها، وقد لا يتمتّعون بها لفترة طويلة من الوقت.
على الخط المقابل، لا يزال الموقف الروسي من استباحة الاسرائيليين للاجواء السورية غريباً بعض الشيء، فالعلاقة بين الطرفين ليست في افضل حالاتها، كما انه لا ينقص الروس ايّ معدات او اسلحة لاسقاط الطائرات الاسرائيليّة، ولو بطريقة غير مباشرة (عبر استعمالها من قبل السوريين)، والجميع يذكر ما آلت اليه المواجهة بين تركيا وموسكو على الحدود السورية-التركية. اضافة الى ذلك، تتمتع موسكو بعلاقة جيدة مع طهران والتواجد بينهما على الارض السوريّة منسّق ولم يسجّل ايّ مشكلة بينهما. ويربط البعض بين هذه الامور ليغمز من باب ان روسيا يهمّها اضعاف النفوذ الايراني في سوريا قدر الامكان، ومن دون ان يؤثر ذلك على العلاقة مع طهران، كما ان اتفاق ابقاء التفوق الاسرائيلي الجوي فوق الاراضي السورية واللبنانيّة هو دوليّ، ولم يتم تعديله حتى الساعة، ويحتاج بالتالي الى توافق اكثر من دولة لادخال التعديلات عليه.
اما على الجبهة اللبنانية، فكل الاحاديث التي تدور علناً وفي الصالونات، تشير الى ان الستاتيكو سيبقى على حاله، وان ردّ حزب الله لن يخرج عن المألوف، ولا خوف بعد من تمدد الحرب وانتشارها بطريقة غير مسؤولة تطيح بكل الجهود الاميركيّة التي بذلت، ولا تزال، في سبيل ابقاء الاوضاع على حالها في الجنوب اللبناني، وهو احد البنود التي تدور حولها المحادثات بين الاميركيين والايرانيين. كل يغنّي على ليلاه في انتظار ما ستسفر عنه التطورات على الساحة الاميركية والاسرائيلية من الناحية السياسية والدبلوماسية، ومعرفة مصير المتمسّكين بالسلطة في كل من تلّ ابيب ووانشطن.
وعلى الرغم من ان احداً لا يعرف ما يخبئه المستقبل، الا ان التوقعات والمؤشرات توحي بأن الستاتيكو الحالي لن يشهد تغييرات تُذكر، وانه في انتظار الاستحقاقات المقبلة، وما لم يتغيّر شيء في الواقع الميداني في غزة، فإن التمديد للحالة التي تعيشها المنطقة ككل هو السائد، حتى ولو بقيت سياسة "التصفية" قائمة.