حتماً أتت نتائج الإنتخابات التركية التي أدت الى فوز المعارضة في مدينتين أساسيتين وهما أنقرة واسطنبول مفاجأة، ووصلت الى حدّ أن البعض إعتبرها "صفعة كبيرة" وجهت الى الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، بينما البعض الآخر ألمح الى أنها قد تشكّل نوعاً من التحوّل في السياسة الخارجية التركية.
الحقيقة لا، من يعرف بالواقع التركي يمكنه معرفة أنها ليست كذلك ولا يُمكن ربطها حتى بالسياسة الخارجية التركية، فهذه ليست المرّة الأولى التي تربح فيها المعارضة في الانتخابات المحلّية التركية. وتشرح أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية والباحثة ليلى نقولا أن "أردوغان اعتقد أنه بالخطابات يستطيع أن يفوز بالمدن وهذا ما لم يحصل، ومنذ العام 2019 تفوز المعارضة التركيّة فيها بينما لدى حزب العدالة والتنمية من المؤيّدين في القرى". في هذا السياق يؤكد استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية والباحث جمال واكيم أن "في العام 2019 كُثر بنوا تكهناتهم أن تلك الهزيمة كانت ستكون كمؤشر لهزيمة أردوغان في إنتخابات الرئاسة التركية وهذا ما لم يحصل وقتذاك"، واكيم ذهب أبعد ليشير الى أن "النتائج البلدية التركيّة لا تعكس حتى تراجعاً في وضع الرئيس التركي رُغم أنها تشكّل "ضربة" له".
"المعارضة التركية وحزب العدالة والتنمية ينظران الى موضوع غزّة بنفس الطريقة". هذا ما تؤكده ليلى نقولا، مشيرة الى أن "أردوغان وحزب العدالة يحاولان اعادة الارث العثماني للاشارة الى أنه لم يعطِ وطنًا قوميّا لليهود في اسرائيل، أي أنه يستخدم العداء لها لتسويق فكرة العثمانيّة الجديدة بينما المعارضة خطابها ليس إسلامياً ولكنها تدعم غزّة". بالمقابل يشدد جمال واكيم على "وجود قاعدة يستفيد منها أردوغان وهي تركيا الحديثة، الّتي قامت على عنصرين: الاسلام السنّي والعنصر التركي، والكتلة الصلبة التابعة لاردوغان تقوم على نظام ريعي قادر أن يربط المناطق الريفيّة التركية ببعضها وهؤلاء جميعاً يصوتون له".
ولا شكّ أنّ الوضع الاقتصادي المتردي في تركيا وإنهيار عملتها لعبا دوراً في إحراز هذه النتيجة. إلا أن الدكتورة نقولا ترى أن "أحد أسباب الخسارة يعود أيضاً الى قضية اللجوء السوري داخل تركيا، إذ ان المعارضة التركية إستخدمته في حملاتها وهي تدرك جيداً أنها باتت قضية ملحّة ولعبت على وتر الاتراك من أجل إنتخابها"، ورغم ذلك تعتبر نقولا أن "الانتخابات المحلّية لن تؤثر على الانتخابات التركية، وستبقى من ضمن الصراع الداخلي، وأردوغان كان يتهيأ لهذه النتيجة، من هنا أراد الدخول في صلح مع الرئيس السوري بشار الأسد وقام في العام 2021 بتصفير مشكلاته مع الدول الخليجية".
في المحصّلة لا يمكن إعتبار نتائج الانتخابات المحلية مؤشراً لأي تغيير في السياسة الخارجية التركيّة أو حتى مؤشراً لأيّ تغيير أو إنعكاس على الانتخابات الرئاسيّة فيها بظلّ كلّ ما يحصل في المنطقة، ولكن الأكيد أن هناك استياء داخل حزب العدالة والتنمية من ازدواجية خطابات أردوغان الذي يلعب على وتر العداء لاسرائيل وبنفس الوقت تمدّ تركيا اسرائيل بالغذاء والمواد التي تحتاجها بعد الحصار من قبل الحوثيين بالاضافة الى الطاقة التي تأتي من أذربيجان.