أشار مفتي جبيل الشّيخ عبد الأمير شمس الدين، خلال تأديته صلاة عيد الفطر وإلقائه خطبة نائب رئيس "المجلس الإسلامي الشّيعي الأعلى" العلّامة الشّيخ علي الخطيب، في مسجد الإمام الصّادق- مستديرة شاتيلا، إلى أنّ "هذا العيد المبارك يطّل اليوم علينا في ظلّ الحرب العدوانيّة الّتي يخوضها الغرب بأدواته الحقيرة، وبالمجازر الّتي ترتكبها العصابات الصّهيونيّة في غزة وفي الجنوب اللّبناني ضدّ المدنيّين العزّل، وبكلّ الوسائل والأساليب الإرهابيّة القذرة، وأمام القوى العالميّة الفرعونيّة المتغطرسة دون أن يرفّ لها جفن وبشكل واضح وفاجر، وتطلق التّهديدات بتدمير البلدان الّتي تدافع عن نفسها وعن كرامة شعوبها وإرجاعها إلى العصر الحجري، متجاوزةً كلّ الأعراف والقوانين والمواثيق الدّوليّة والإنسانيّة؛ الّتي تدّعي القوى الدّوليّة تبنيها وحمايتها وترفع زورًا وكذبًا شعاراتها".
ولفت إلى أنّ "هذا الواقع الخطير يملي علينا نحن اللّبنانيّين واجب توحيد إرادتنا الوطنيّة لمواجهته، فهذا الخطر لا يطال مجموعةً بعينها ولا طائفةً بعينها، وإنّما الجميع وبدون استثناء، وإن حاول العدو بخبثه أن يصوّر الأمر على خلاف ذلك على قاعدة فرق تسد؛ وأن يحوّل الصّراع إلى صراع داخلي مذهبي وطائفي".
وركّز شمس الدّين على أنّ "هذا يلقي بالمسؤوليّة الوطنيّة والدّينيّة على القوى السّياسيّة، للتّنبّه لما يحيكه العدو، وعدم الانخداع بما يحاول العدو الوصول إليه وجرّنا كلبنانيّين إلى تحقيق أغراضه الخبيثة، فليس في اعتقادنا أنّ هناك عدو لنا سوى هذا العدو الّذي اعتدى على سيادتنا واحتلّ أرضنا لتحقيق أطماعه التّوسعيّة والعدوانيّة ومشروعه التّوراتي التّلمودي المعادي لكلّ القيم الإنسانيّة، الّذي أصبح اليوم وبعد الارتكابات والجرائم في غزة ضدّ السكان المدنيّين والمؤسّسات الإنسانيّة الدّوليّة من مستشفيات وعاملين في المجال الصّحي، فضلًا عن جرائمه بحقّ المؤسّسات الإنسانيّة الفلسطينيّة وبحقّ الشعب الفلسطيني؛ تجويعًا وقتلًا ومجازر والمساجد والكنائس تهديمًا".
وأكّد أنّ "من واجبنا الديني والوطني والانساني كمرجعيات روحية وسياسية وحزبية، أن نعمل على الارتقاء بالوعي الديني والسياسي للمواطنين، والعمل على تعزيز اللحمة الوطنية، وعدم السماح بالعبث بها عبر الخطاب المتوتر والباعث على الانقسامات بالتجييش الطائفي وخلق اوهام ومخاوف لدى اللبنانيين من بعضهم البعض؛ لمصالح فئوية وحزبية وشخصية".
كما اعتبر أنّ "التعاطي مع هذا الواجب بالخلفيات المذهبية والقومية والعرقية، ليس الا حؤولا دون تحقيق هذا الغرض، وتبريرا للهروب من هذا الواجب الذي ينم عن عدم التقوى، وتخلفاً عن القيام بالمسؤولية الشرعية والانسانية. فإن اهم واجبات اولياء امورها، الحفاظ على مصالحها والدفاع عن حقوقها، بما يحفظ لها كرامتها وعزتها كما اراد الله".
من جهة ثانية، أعرب شمس الديّن عن إدانته "كل عمل اجرامي من اختطاف وقتل، سواء بخلفيات سياسية او غيرها، وكل محاولة للاستفادة السياسية من كل حدث او جريمة باتهامات لا دليل عليها، خصوصا في هذه المرحلة العصيبة والخطيرة التي تهدد الكيان، استجابةً لايحاءات خارجية لديها مشاريع تفتيتية، كمشروع ولادة الشرق الأوسط الجديد، الذي كان وراء كل الفتنة التي عصفت بلبنان والمنطقة في المرحلة السابقة. وهو ليس بخاف على أحد، وقد عبرت عنه بكل وقاحة كل من وزيرتي الخارجية الاميركية السابقتين هيلاري كلنتون وكونداليسا رايس".
وشدّد على أنّه "لو فرضنا ان هناك لدى البعض من شك او وهم، فإن معالجته لا تكون بالتحريض واثارة الغرائز الطائفية والمذهبية، بل بالحوار والنقاش الجاد والبنَّاء، فالحوار الجاد والحريص على بناء الدولة لا يكون بالاثارات العصبية؛ ومن يريد حقا بناء وطن حقيقي لا سبيل له الا الحوار لازالة الهواجس لدى جميع الأفرقاء".
ورأى أنّ "ما سمعناه من دعوات انفصالية التي تكرر نفسها فتسببت بالحرب الاهلية، فهي دعوة للانخراط بالمشروع الاميركي بتفتيت المنطقة الى دويلات طائفية، الذي ما زال قائما، وهو مشروع انتحاري جُرِّب في الماضي وفشل اصحابه في فرضه سواء في السبعينيات من القرن الماضي او في الحرب على العراق وسوريا، توسلا بالفتنة الطائفي. وهو مشروع انتحاري وخصوصا لابناء الطائفة المسيحية التي كانت اكثر من تضرر منه من ابناء المنطقة".
وذكر شمس الدين أنّه "تبين للجميع ان الغرب لا يبني مشاريعه على اساس اخلاقي وانما على المصلحة، وهو يبيع عملاءه عندما تقتضي مصلحته ذلك وبلا تردد، فقد سبق ان باع الاميركي والصهيوني المسيحيين بما فيهم المرتبطين به عند افشال مشروعه في لبنان والمنطقة، واقترح هنري كيسنجر نقل المسيحيين الى أستراليا بلا حياء، واشار بيده لمن كان يستمع اليه، إلى مرفأ جونية؛ وان السفن جاهزة لنقلهم الى استراليا".
وأكّد أنّ "أميركا الصهيونية لها مشروعها الذي يتناسب مع مصالحها، وهي تتبنى نظرية المصالح ولا تتبنى القيم الانسانية، وهي بالتالي لا تعمل وفقا للقيم المسيحية التي نتشارك بها كمسلمين ومسيحيين. اما نحن كمسلمين فنحن نؤمن بان المسيحيين هم اخوة لنا في الايمان والانسانية بلا منة عليهم، وانما هذا ما يمليه علينا ديننا واخلاقنا، فلقد عشنا سويا مئات السنين باخوة ومحبة وسلام في هذه البلاد، وما زالت كنائسكم التي كانت منذ القدم موجودة ومصونة. ونحن لم نصلب مسيحكم، بل نحب المسيح ونؤمن به ونحترم المسيحية، ونؤمن انها من الاديان التوحيدية وان عيسى اخ كريم لمحمد، ومن ينكر ذلك فهو ينكر القرآن الكريم ولا يؤمن بالاسلام. كما نعترف بأن الانجيل كتاب مقدس ووحي منزل من عند الله".
وأضاف: "اما اليهود فقد قتلوا الانبياء وانتم تقولون انهم صلبوه، فنحن نعتقد مثلكم ان اليهود ظلموه ولاحقوه وارادوا قتله، وانهم طردوا المسيحيين من الاراضي المقدسة ولم يبق منهم الا القليل، واعتدوا على من بقي منهم واهانوا الرهبان والراهبات ويبصقون عليهم ويمنعونهم من ممارسة طقوسهم في بيت لحم حيث ولد المسيح؛ فما هو المشترك بين اليهود والمسيحيين؟".
إلى ذلك، أشار مفتي جبيل إلى أن "التعاطي مع هذا الواجب بالخلفيات المذهبية والقومية والعرقية، ليس الا حؤولا دون تحقيق هذا الغرض وتبريرا للهروب من هذا الواجب، الذي ينم عن عدم التقوى وتخلفاً عن القيام بالمسؤولية الشرعية والانسانية. فإن اهم واجبات اولياء امورها الحفاظ على مصالحها والدفاع عن حقوقها، بما يحفظ لها كرامتها وعزتها".
وتوجّه إلى اللبنانيين، قائلًا: "اننا جميعا في قارب واحد، ولذا يجب الوقوف امام كل دعوة للفتنة، وقد بلغ التحريض الطائفي حد ان حادثة شخصية كادت ان تذهب بالبلد، لولا تدارك الدولة واجهزتها الامنية التي تستحق جهودها التقدير في كشف حقيقة ما جرى، وتمنع من اخذ الامور الى شر مستطير"، معربًا عن إدانته "التعرض للأخوة السوريين وللمواطنين، الذي يعبّر عن العنصرية والكراهية، ويكشف عن النوايا الحقيقية لمدعي السيادة والتمسك بالدولة واجهزتها الامنية والقضائية، فلا تزر وازرة وزر اخرى".
وشدّد على أنّه "كان الاجدر أن توجه الادانة الى من يمنع السوريين من العودة الى بلادهم، لمشاريع تتصل باهداف المشروع الغربي التآمري على لبنان، لمصلحة المشروع الصهيوني التلمودي وتغيير خريطة الشرق الأوسط"، معتبرًا أنّ "تركيز توجيه الاتهامات نحو المقاومة، ليس الا لانها تشكل صمام الامان لافشال المشروع الصهيوني، وليس لافشال المشروع الاميركي الغربي الصهيوني. فالنظام الغربي اليوم هو المشروع الصهيوني الذي يستخدم اليهودية، وسعى لاستخدام الاسلام والعروبة لتحقيقه. وللاسف فإن البعض من العرب قد تورط فيه، بتبني المشروع الابراهيمي كبديل عن الاسلام والمسيحية ومفاهيمهما وقيمهما الانسانية، وانخرط في مشروع التطبيع، وهو اليوم يستخدم في مواجهة القضية الفلسطينية وتشويه صورة المقاومة واتهامها بالعمالة والتبعية لايران".
وتابع شمس الدين: "هذه المساعي افشلها اليوم الشعب الفلسطيني، الذي يقود المواجهة في غزة العزة وفي الضفة الغربية الشامخة، وعلى وشك ان يهزم رسمياً في محاولته انتزاع النصر الذي تحقق في السابع من تشرين الأوّل الماضي في "طوفان الاقصى" منهم، وقد بدت علائم الهزيمة الصهيونية في غزة والبحر الاحمر وجنوب لبنان باعتراف العدو انه لن يستطيع الانتصار على المقاومة. كما بدت هزيمته ايضا في انسحابه من مدينة خانيونس، بعد ما يقارب الاربعة اشهر من القتل والمجازر والتجويع التي افتضح فيها، واتضحت صورته الحقيقية، وانكشفت فيها حضارته حضارة الذبح والقتل والهمجية ومهاجمة المقرات الدبلوماسية؛ التي ادعى انما يسمى زورا بالدولة اليهودية واحة للديمقراطية والحرية وحقوق الانسان في وسط بيئة همجية كما يدعي".
ووجد أنّ "المقاومة قد فضحته في جرأتها وصمودها وتضحيات ابنائها الغيارى، ايما افتضاح امام شعوب العالم. وقد حطمت المقاومة جبروت العدو وجيشه على ارض غزة وجنوب لبنان، مع كل الدعم التسليحي والاعلامي والمالي الذي يتلقاه، فما بالنا اذا تكاتفت عناصر القوة للامة".
وجزم "أنّنا امام تحول مصيري في المنطقة، وعلينا ان نكون على قدر المسؤولية التاريخية، لنصون بلدنا وكرامة الشعب اللبناني، وان نفوت الفرصة على العدو الذي يكن الحقد على هذا البلد، ليحطم هذه اللوحة الجميلة في الشرق، التي تشكل نقيضا للوجود الصهيوني تظهر حقارته وتكشف ضعفه؛ وانه نمر من ورق وانه بيت العنكبوت".
كما لفت شمس الدين إلى أنّ "هذه هي مضامين الرسالة التي يبعث بها العيد، التي تعني تحمل المسؤولية الوطنية والقيام بما تقتضيه التقوى، التي هي الغاية من الصوم ومن شهر رمضان المبارك. هذه المسؤولية الوطنية بكل ابعادها الدينية السياسية والاجتماعية، من العناية بالمواطنين وحاجاتهم، وخصوصا العوائل التي اضطرت للنزوح عن قراها ومدنها واماكن عيشها في سبيل الله والدفاع عن الوطن والاعراض والكرامات والتخفيف عنهم بما امكن، كما فعل المهاجرون والانصار".
وركّز على أنّ "مجتمعنا اليوم بحاجة الى المزيد من رص الصفوف وتأليف القلوب بين المؤمنين، كما الى الصبر والمصابرة، واعلموا ان الله امرنا بذلك وجعله شرطا للنصر والفرج، حتى إذا رأى الله جد الصبر منهم على الأذى في محبته، والاحتمال للمكروه من خوفه جعل لهم من مضايق البلاء فرجا، فأبدلهم العز مكان الذل، والأمن مكان الخوف فصاروا ملوكا حكاما، وأئمة أعلاما، وبلغت الكرامة من الله لهم ما لم تبلغ الآمال إليه بهم".
ووجّه التحية للجيش اللبناني قيادة وضباطا ورتباء وعناصر، "الذين بفضلهم جميعا نقيم مراسم اعيادنا في امن وامان من الوحش الصهيوني، على امل اللقاء على هذه الارض الطاهرة وفي القدس وكل فلسطين وقد تحررت بقبضات المجاهدين، نقيم اعراس النصر كما كان منا في انتصار التحرير".