يعيش اللبنانيون حالة من القلق نتيجة الحوادث الامنية المتنقلة، فالأزمة التي عصفت بلبنان مع بدء انهيار العملة الوطنية في خريف العام 2019 وتدهور الوضعين الاقتصادي والاجتماعي لشريحة واسعة من الشعب اللبناني، بالاضافة الى الواقع الصعب الذي تعيشه القوى الامنية والعسكرية، كلها عوامل شكّلت بيئة حاضنة للعصابات التي تمتهن جرائم السرقة والخطف، بحيث اتخذت من الوضع الاجتماعي والضعف الأمني والتراخي القضائي فرصة لتوسيع نشاطها.
ارتفاع بنسب القتل والخطف
يكاد لا يمر أسبوع في لبنان الا ونشهد حوادث سرقة وقتل أو خطف مقابل فدية مالية، وبحسب "الدولية للمعلومات" استنادًا إلى معلومات المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي، شهدت المؤشرات الأمنية في الشهرين الأوّلين من العام 2024 ارتفاعا في أعداد القتلى بنسبة 91.3 في المئة، وحوادث الخطف مقابل فدية مالية بنسبة 150 في المئة، فيما تراجعت سرقة السيارات بنسبة 12.8 في المئة، والسرقة بشكل عام بنسبة 13 بالمئة. كما لم يساعد الوضع الحالي الذي يعيشه الناس في تحسين ظرةف حياتهم فارتفعت نسبة الانتحار الى 14،9 في المئة، وهو ما يساهم في اعطاء صورة عامة عن الازمة الكبيرة التي نمرّ بها وتداعياتها الخطيرة على المجتمع.
وفي إتصال مع "النشرة" عزا الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين ارتفاع هذه النسب، الى عوامل عديدة من دون ان يدخل في تفاصيلها، مشيراً الى انه "في الاشهر الثلاثة الاولى من العام 2024، تم تسجيل 8 حوادث خطف مقابل فدية مالية، و898 عملية سرقة، 179 حادثة سرقة سيارة، و6 حوادث سلب للسيارات، فيما ارتفع عدد القتلى بحوادث أمنية وجنائية مختلفة الى 83 قتيلا".
عبء النزوح السوري
واذا لم يكف تردي الاحوال المعيشية والاقتصادية والمالية، فهناك خطر الاعداد الكبيرة للنازحين السوريين في لبنان الذي يُعتبر سببًا رئيسيًا في زيادة المخاطر الأمنية، وقبل أيام كشف وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال بسام مولوي أن 35 بالمئة من الموجودين في السجون اللبنانية هم من التابعية السورية، وقد تم توقيفهم بجرائم القتل والسرقة والمخدرات وغيرها من الحوادث التي تمس بالأمن.
وفي هذا الاطار، كشف شمس الدين أن نسب الموقوفين والمسجونين السوريين في لبنان تختلف وفق الجريمة او الجنحة التي تم ارتكابها، فـ 3 في المئة منهم ضالعين في جرائم قتل، و8 في المئة في جرائم سرقة، و4 في المئة تم توقيفهم نتيجة حملهم للسلاح، و4 في المئة ايضا بجرم تهريب أشخاص، و6 في المئة لحيازة وترويج المخدرات، و6 في المئة لترويج عملة مزورة، و6 في المئة للنصب والاحتيال، 7 في المئة للتزوير، فيما تم توقيف 19 في المئة بجرائم مختلفة، و22 في المئة نتيجة مخالفة الانظمة والقوانين و15 في المئة لدخولهم البلاد بطرق غير شرعية".
ما الحل؟
لا بد من ايجاد الحلول لظاهرة التفلّت الامني في لبنان، فالبرغم من الاقرار بمسؤولية القوى الامنية وضرورة بذلها المزيد من الجهود، لكنها في نهاية المطاف تتعامل مع النتيجة وليست مسؤولة عن معالجة الاسباب، فكل هذه الحوادث هي إحدى نتائج الازمة الاقتصادية والسياسية في البلد، وبالتالي فإن معالجة الواقع السياسي والاقتصادي ورفع جهوزية القوى الامنية لوجستياً ومادياً، ودعم البلديات لتفعيل اجهزة الشرطة لديها، بالاضافة الى الضغط والعمل بجدية لحلّ ملف النزوح السوري، كلها عوامل رئيسية تساهم، في حال معالجتها، في التأسيس لحلّ أمني مستدام في لبنان.
وكما أن الواقع الأمني المتردي ينعكس على الجميع، فإن معالجة اسباب المشكلة هي أيضا مسؤولية مشتركة، والأمن لا يتحقق إلا بإعادة الهيبة والاعتبار للدولة ومؤسساتها. لا يمكن حصر المعالجات بالاجراءات الأمنية فقط، وبدل الاكتفاء بدعوة القوى الامنية الى زيادة اجراءاتها، يجب وضع المسؤولين السياسيين امام مسؤولياتهم لوقف تقاعسهم والبحث الجدي عن حلول للأسباب التي أدت إلى هذا التفلّت الأمني.