إنه سؤال المليون، ولكن الجواب عليه قد يحتاج الى عقود من الزمن. السؤال يتعلق بعودة النازحين السوريين من لبنان الى سوريا، والواقع الذي تغيّر على الساحة اللبنانية هو ان الانقسام الذي كان سائداً بين اللبنانيين انفسهم حول هذا الوجود، اصبح شبه موحد حول ضرورة التخفيف من مخاطر الاعداد الهائلة من النازحين على الاراضي اللبنانية.
مع بداية النزوح، صدرت اصوات بضرورة الحد من زحفهم الى لبنان قابلتها اصوات معترضة على هذا الامر لاسباب طائفية ومصالح سياسية، بعدها بسنوات عديدة، علا صوت المسؤولين (بغض النظر عن صدق هذا الصوت العالي او مسايرته للمواطنين) بضرورة وضع العالم امام مسؤولياته في مسألة النزوح السوري الى لبنان والا فسيتم اللجوء الى التدابير القانونية اللازمة، ومن الطبيعي الا يكون هذا التهديد فارغاً ولم يؤدّ الى اي تغيير على الارض.
اليوم، باتت الساحة اللبنانية بغالبيتها ( ما عدا بعض الاصوات من الطائفة السنّية التي تنادي بابقاء السوريين لاسباب ديموغرافية خاصة)، خلف الحد من خطر النازحين على هوية لبنان واللبنانيين، وفي هذا السياق يمكن متابعة الانصهار الحاصل بين الاعداء السياسيين (التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، حزب الله، حركة امل، الحزب التقدمي الاشتراكي، قوى وتيارات سياسية وحزبية من مختلف الطوائف...) ودعوتهم جميعاً بشكل علني، الى وضع نهاية لهذه المشكلة لان خطرها لم يعد مقبولاً. ولكن، اذا كان لبنان سيّد قراره كما يدّعي مسؤولوه والزعماء السياسيين والحزبيين فيه، فمن الذي يمنع اتخاذ التدابير القانونية والشرعية والمقبولة دولياً، لاعادة قسم كبير من النازحين الى بلادهم، اذا كان لا يزال من المتعذر اعادتهم جميعاً؟.
في الواقع، ليس سراً ان القوى الغربية هي التي تضع "الفيتو" على هذه العودة، وهذا ما يفسّر تحرك الرئيس القبرصي في اتجاه لبنان، بعد ان شعر ان بلاده ستكون الضحية الاولى والاقرب لانفجار قنبلة النازحين في هذا البلد، وقد ذاقت قبرص طعم مرارة تواجد النازحين السوريين على اراضيها بشكل غير شرعي. قد يكون هناك انقسام اوروبي حول هذه المشكلة، ولكن المؤكد ان اصحاب القرار في اوروبا هم من الداعين الى "عدم العودة"، وهم اكثر من مطمئنين الى وجود اشخاص في لبنان على كل المستويات، يفضّلون التنسيق معهم على اتخاذ القرار الوطني الصحيح والوقوف خلف التخفيف من وجود النازحين على الاراضي اللبنانية تمهيداً لاعادتهم جميعاً الى سوريا في فترة زمنية مقبولة.
هذا التحالف هو الذي يضرّ بلبنان، وكل الدعوات المحلية وغير المحلية للضرب بيد من حديد وعدم التطلع الى ما يقوله الخارج في هذا الخصوص، هي مجرد استهلاك رخيص لازمة كبيرة، وذر للرماد في العيون وتغطية لبعض من في الداخل الذي يعمل على ابقاء النازحين كي يبقي على موارده واستفادته من الجهات الداعمة، غير آبه بالمخاطر التي ستترتب على الجميع. وامام هذا الواقع المرير، سيتم العمل على ايجاد "تنفيسة" ما، تقضي بإعادة جزء يسير من النازحين الى بلادهم (يمكن ان يظهروا في لبنان مجدداً بعد فترة زمنية محدودة عبر المعابر غير الشرعية)، على غرار ما حصل سابقاً. من هنا، يظهر ان احداً لا يأخذ اللبنانيين وما يقولونه على منحى الجد، ويعود هذا الاستخفاف الى جهل عميق لفئة منهم ترى ان الاستفادة على المدى القصير افضل من ايجاد الحلول الجذرية على المدى البعيد، متناسية ان الضرر سيلحق بالجميع ولن يشفع بأحد مهما كانت طائفته او مذهبه او ميوله السياسية، وسيكون ضحية كغيره يقف معهم للبكاء على الاطلال.