يربط المسؤولون في لبنان مختلف الملفات، مهما كان نوعها، بالتحولات الإقليمية والدولية، لدرجة يمكن الحديث فيه عن أن أقل التفاصيل تحتاج إلى توافق خارجي، متعدد الجهات، قبل أن تتحول إلى قرارات حاسمة. هذا الواقع، في المرحلة الحالية، ينطبق على الملف الرئاسي، حيث يتولى سفراء اللجنة الخماسية، التي تضم أميركا وفرنسا والسعودية وقطر مصر، القيام بجولات على الأفرقاء اللبنانيين، بهدف الوصول إلى قواسم مشتركة، ليس الهدف منها حسم الملف، بل مجرد الحوار فيما بينهم.
في المقابل، برز رهان جديد على التحولات الخارجيّة، يرتبط بملف النازحين السوريين، على قاعدة أن معالجة هذا الملف أكبر من قدرة لبنان على التحرك، بسبب الفيتوات التي ترفع بوجه أي مسعى من الممكن القيام به. وهذا الرهان يتعلق بحصول تحول ما في الموقف الأوروبي، يسمح بالعمل على إعادة النازحين إلى بلادهم، في حال وافقت بعض دول الإتحاد الأوروبي، التي لا تزال تعارض حتى الآن، على إعادة تقييم الوضع في سوريا.
على مدى سنوات الأزمة السوريّة، بعيداً عن الخلافات السياسية المحلية التي رافقت التعامل مع هذا الملف، ظهرت العديد من "الفوعات" الرسمية حول ضرورة المعالجة، أبرزها قبل نحو عامين مع حادثة غرق مركب للهجرة غير الشرعية في البحر، قبل أن تهدأ الأمور بعد ذلك، لتعود مع حادثة مقتل مسؤول حزب "القوات اللبنانية" في جبيل باسكال سليمان قبل أسابيع. والتي كان قد سبقها "الشكوى" القبرصية من "تصدير" لبنان أزمة النزوح إلى الجزيرة الأوروبية.
هذا الواقع، هو الذي يدفع مصادر سياسية معنية إلى التخوف من أن تكون "الفوعة" الحالية مجرد تحرك مرحلي، قبل أن يخرج هذا الملف من جديد من دائرة الأضواء، حيث تلفت إلى أن المشكلة تكمن بالقرار الخارجي، الذي لا يقتصر على موقف بعض الدول الأوروبية بل يشمل أيضاً الولايات المتحدة، التي كان قد قاد موقفها، خصوصاً بالنسبة إلى قانون "قيصر"، إلى عرقلة الإنفتاح العربي على دمشق، من دون تجاهل المزايدات الداخلية التي ترافق التعامل مع هذا الملف.
وفي حين تشدّد هذه المصادر، عبر "النشرة"، على أن الرهان اللبناني اليوم يكمن بحصول تحول في الموقف الأوروبي، تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول الموقف الرسمي في حال عدم حصوله، خصوصاً بالنسبة إلى مبادرة المسؤوليين المعنيين إلى القيام بالخطوات اللازمة على هذا الصعيد، بعد أن كانت السنوات الماضية قد شهدت تشكيل وتكليف مجموعة واسعة من اللجان، من دون إحراز أي تقدم يذكر، بينما القرارات التي تتخذ تبقى حبراً على ورق.
ضرورة المعالجة التي تفرضها مختلف المعطيات، الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، لا تنفي الحديث عن أنها لا يمكن أن تكون بالشكل الذي يطالب به البعض، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، خصوصاً لناحية إطلاق حملة تستهدف السوريين أو خلق توترات في مختلف المناطق، لا سيما أن التداعيات التي قد تنجم عن ذلك خطيرة جداً على الواقع الأمني، وتسأل: "هل المطلوب معالجة المشكلة أم خلق مشكلة إضافية أخطر من الحالية"؟.
في هذا الإطار، ينبغي التنبه إلى عامل يتم تجاهله لدى البحث في الملفّ، يكمن بالعمالة المتواجدة منذ عشرات السنوات، سواء تلك الموسميّة المرتبطة بالقطاع الزراعي أو الدائمة التي تتعلق ببعض القطاعات الأخرى. مع العلم أنه تاريخياً لا توجد إحصاءات رسمية حول الأعداد، أما فتح باب النقاش حولها فيرتبط بالأوضاع السياسية، تماماً كما حصل في العام 2005 بعد إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري. في حين أن العديد من الجهات الإقتصادية، تعتبر أنها ضرورية ولا يمكن الإستغناء عنها.
حول هذا الموضوع، يشير الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن العمالة السورية هي بشكل أساسي في قطاعي الزراعة والبناء، وهي كانت عادة تتراوح بين 500 و700 ألف شخص، لكن في السنوات الماضية خصوصاً مع تزايد الأعداد نتيجة الحرب في سوريا توسعت نحو قطاعات أخرى، ويرى أن ليس هناك من يريد معالجة هذا الملفّ بشكل جدي، نظراً إلى أن العديد من الجهات مستفيدة من الواقع الراهن.
ويدعو شمس الدين، في هذا المجال، إلى مقاربة إقتصاديّة لهذا الملف، حيث يلفت إلى أن التصنيف لا يجب أن يكون بين شرعي أو غير شرعي، على إعتبار أن غير الشرعي من الممكن تسوية وضعه، بل بين من يحتاجه الإقتصاد اللبناني ومن لا يحتاجه، ويعطي مثالاً على ذلك يكمن بأنه إذا كان هناك شخصاً يتواجد بصورة شرعية لكن يعمل كسائق أو في قطاع الخدمات فإن لبنان ليس بحاجة له، بينما إذا كان هناك عاملاً في الزراعة وجوده غير شرعي، فإن المطلوب العمل على شرعنة وجوده، خصوصاً أن هذا القطاع يقوم على العمالة السورية.
في الختام، يلفت شمس الدين إلى مشكلة أخرى متعلقة بتطبيق القانون اللبناني، لناحية شروط الإقامة ودفع الرسوم المتوجبة، ويعتبر أن تطبيق القانون، إلى جانب المقاربة الإقتصادية، يحوّل الأزمة إلى عامل مساعد للإقتصاد، كما هو حاصل في العديد من الدول الأخرى، كالإمارات العربيّة المتحدة على سبيل المثال، ويضيف: "عندها لن تكون المشكلة مشكلة أعداد".