خبر هزّ كل من يملك إنسانية في قلبه، وكل من لا يزال يعتقد بأن الطفولة خط احمر لا يجب المساس بها، وكل من كان يعتبر ان مثل هذه الاحداث المفجعة لا تحصل في مجتمعنا اللبناني تحديداً وانها تقتصر على المجتمعات "الموبوءة" والخارجة عن الله وتعاليمه والغارقة في مستنقعات الاثم والخطيئة. عند قراءة الخبر، يحتار المرء الى اي مشاعر ستقوده: تقدير ما حصل لجهة انه كشف عملاً شيطانياً بكل ما للكلمة من معنى، ام التفجّع على طهارة اطفال دخل السواد الى حياتهم البيضاء وبات من الصعب ان يخرج منها. بداية، من الواجب تحذير من يحمل معه إنسانيته للتعاطي مع المسؤولين عن هذه الكارثة، الا يكمل قراءة المقال لانه يدعو بكل صراحة الى عدم التعامل بإنسانية مع هؤلاء الشياطين المسؤولين عن قتل الطفولة في نفوس من لم يختبرها بعد.
لن نتوقف عند الاسماء والعدد، على الرغم من اهميتهما وما يحملان من دلالات، ولكن يجب القاء الضوء اولاً على مسألة في غاية الاهمية وهي ان هؤلاء اختاروا بكامل ارادتهم قتل إنسانيتهم والتخلي عنها عندما قاموا بأفعالهم الشيطانية، واستهدفوا الاطفال. ففي المفهوم العام للكائنات الحية، وفي التعاليم الدينية كافة السماوية منها وغير السماوية، يرمز الطفل الى البراءة والطهارة، وهو ركن اساسي في فرصة استعادة الانسان طبيعته البشرية والرحمة والتعاطف اذا ما وقع في حفرة الجريمة او مخالفة القوانين او الخطيئة. لذلك، فإن التعرّض للاطفال هو بكل وضوح وبساطة، اعتداء وقتل للانسانية في قلب من قام بهذا العمل، وإعلان لا لبس فيه من قبلهم انهم لا يستحقون ان يتم التعاطي معهم بإنسانية ويجب بالتالي محوهم عن خريطة المجتمع والعالم الانساني، اياً تكن الطريقة ومن دون اي قيود، وفي هذه الحالة فقط يجب احترام خيارهم والتجرّد من اي عوامل إنسانية في التعامل معهم.
اضافة الى ذلك، يجب على كل من يتدخل لمساندة من ثبت عليه، بالادلّة والوقائع، انه اعتدى على الاطفال جسدياً ومعنوياً ونفسياً، وشوّه براءتهم بالممارسات المقرفة (ولا نقول الحيوانية لان الحيوان يمتنع عن القيام بمثل هذه الافعال) والمخدرات وغيرها... ان يعلم انه يساهم في قتل الانسانية ايضاً في نفوس المجتمع، وعليه ان ينضم الى من يدافع عنهم ويعيش معهم في عالم خال من الناس، او في حضرة الله ليصدر حكمه عليهم، ولكن من المؤكد انه لا يجب ان يكونوا في ما بيننا، ليس فقط في لبنان بل في اي دولة اخرى. وبما ان البعض يأخذ من الغرب ما يحلو له من الامور السيئة، وبما ان هذا البعض ايضاً متعلّق بالتكنولوجيا وتطورها، فيجب على الدولة اللبنانية ان تحذو حذو دول غربية، وتطلق تطبيقاً يكشف بالاسم والصورة والعنوان كل مدان بتحرش بأطفال، كي ينبذه المجتمع، خصوصاً وان المجتمع اللبناني، ويا للاسف، ينسى سريعاً كل ما يحصل، ويسارع الى مقولة "عفا الله عما مضى"، فترى المجتمع يعجّ بمن يجب ان يكون في السجن الانفرادي او ان يقضي فترة حياته خلف القضبان او من ينتظر حكم الاعدام، ليعاود فعلته مرة ثانية وثالثة... ويقضي في كل مرّة على حياة لم تفسح لها سنواتها المعدودة ان تتفتّح بشكل كامل. ولكن، عندما يتم الترويج لهذا التطبيق الذي يكشف كل "شيطان" بالصورة والادلة، فعندها يضمن المرء ان هذا المجرم يدفع ثمن جريمته طوال حياته، ويخفّ اجرامه بشكل كبير ويساهم في انقاذ الكثير من الاطفال على المديين القصير والطويل.
لا احد ينكر ان الشياطين لم يكونوا في السابق، ولكن التكنولوجيا كغيرها من الابتكارات البشرية، سلاح ذو حدين، ومواقع التواصل الاجتماعي ان لم يتم استعمالها بشروط ومسؤولية ومتابعة حثيثة من الاهل، ستتحول حكماً الى قنبلة نووية تقضي على حياة من نراهن عليهم لتحسين المستقبل وتقديم فرص افضل لاجيال مقبلة، لانها تنتشر كالنار في الهشيم، وكما تقدّم المعلومات القيّمة والمهمة، فإنها تحمل ايضاً اوجه الشرّ التي يستغلّها البعض ليدخلوا من خلالها الى عقول بريئة لم يتمّ تحصينها بعد لصدّ الافكار السوداء الواردة.
انها دعوة لعدم التعامل بإنسانيّة مع من اختار قتل إنسانيته والتخلي عنها طوعاً.