"مكتب جرائم المعلوماتية هو مكتب أمني، والصحافيون ليسوا مجرمين" ،هكذا علّقت الصحافية حياة مرشاد عند سؤالها حول استدعائها للتحقيق أمام مكتب الجرائم المعلوماتية. وكانت مرشاد قد رفضت في حزيران 2023 المثول أمام المكتب بعد استدعائها على خلفية آراء لها متعلقة بقضايا النساء، مؤكدةً أنها ترفض المثول أمام رجال الأمن، لأن الموضوع يقع ضمن خانة قمع الحريات، وقانونًا فإن أي دعوى يجب ان تكون امام المحكمة المختصة أي محكمة المطبوعات.
ويلجأ العديد من الصحافيين عند استدعائهم أمام جهات عسكرية أو أمنية بسبب قضايا النشر للتشديد على ضرورة التوجه لمحكمة المطبوعات والتي رغم ملاحظاتهم الشديدة عليها ، إلا أنها لا تزال الى حين اقرار قانون جديد للإعلام هي الجهة المخولة التعاطي مع قضاياهم.
وبالرغم من التغني بلبنان على أنه بلد الحريات، إلاّ أنه وإذا أردنا الوقوف على واقع الإعلام في لبنان، فعلينا الرجوع إلى قانون المطبوعات الذي يعود إلى عام 1962، والذي عُدّلت فقط بعض أحكامه في العام 1994.
اليوم ومع التطور الكبير الحاصل في قطاع الإعلام وعلى صعيد وسائل التواصل الاجتماعي، بات هناك حاجة الى إلغاء محكمة المطبوعات وذلك على غرار ما هو معتمد في بلدان العالم.
الحلّ بالتحول للمحاكم المدنية
حول إقتراح إلغاء محكمة المطبوعات، يؤكد المستشار القانوني في مؤسسة "مهارات" الدكتور طوني مخايل أن هناك لغط حول محكمة المطبوعات، لأنها محكمة جزائية استثنائية وفقًا للقانون وليست محكمة مدنيّة، وإلغاء المحكمة مرتبط بإلغاء نظام التجريم الجزائي بقضايا الإعلام، "وإذا اعتمدنا إلغاء النظام الاستثنائي، يمكن اعتماد المحاكم الجزائية العادية".
بدوره يشرح محامي تجمّع نقابة الصحافة البديلة فاروق مغربي أن محكمة المطبوعات أُقرت في قانون الإعلام عام 1962 لمحاكمة جرائم المطبوعات، وهي محكمة استئناف جزائية، وهناك إشكالية فيها بأن العقوبة تُدوّن على السجل العدلي. "نحن نعمل على الغاء المحكمة والذهاب نحو محكمة مدنية، والمحكمة المدنية هي عبارة عن دعوى مدنية لا يوجد فيها سجن، ويمكن عبرها المطالبة بتعويض مالي ناتج عن الضرر الحاصل من النشر".
وفي السياق، أوضح مخايل بأنه في المحاكم المدنية لا يوجد ضابطة عدلية لأنه لا يوجد جرائم جزائية، والملاحقة المدنية قائمة على مفهوم "الخطأ"، و"الخطأ" يمكن أن يكون مقصودًا، وسوء النية والقصد يلعب دورًا في تحديد قيمة التعويض، وحماية حقوق الآخرين وسمعتهم، والقانون المدني يحمي الحقوق سواء الحق في التعبير أو الحق في حماية السمعة.
وذكّر مخايل بأن القضاء المدني يُحدد قيمة التعويض اللازم، وفي القانون المدني لا يوجد سجن بل تعويض، والمحكمة تحدد التعويض الناتج عن الضرر، ويمكن للقانون أن ينص على تعويض آخر غير مالي، كما أن عبء الإثبات في القضايا المدنية يقع على المُدّعي، أما في القضايا الجزائية العبء على المُدّعى عليه.
محكمة المطبوعات هي المرجعية لحين إقرار القانون الجديد
ان صلاحية محكمة المطبوعات هي صلاحية استثنائية ولربط صلاحيتها يجب الادعاء على المدير المسؤول وكاتب المقال فيما يتعلق بالمطبوعات الصحافية وعلى ما يقابلهما من مسؤولين بالنسبة للمؤسسات التلفزيونية والإذاعية في جرم القدح والذم، ولا شيء يحول قانونًا دون إمكانية تحريك الدعوى العامة مباشرة أمام محكمة المطبوعات بادعاء من المتضرر.
واليوم محكمة المطبوعات هي المرجع الصالح للبت بدعاوى تُرفع ضد الصحافيين في قضايا النشر، ولا يمثل الصحافي أمام الضابطة العدلية، بل يمثل حصرًا، أمام قاضٍ بحضور محامٍ، وتبتّ محكمة المطبوعات بالأحكام.
والمطلوب اليوم إلغاء المحاكم الاستثنائية في قضايا الصحافة والإعلام، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وإذا لم يلغ قانون الإعلام الجديد التجريم الجزائي لقضايا التعبير، لن يكون هناك حل سوى بالبقاء مع محكمة المطبوعات للنظر بالأمور الناشئة في ملف الاعلام او الغائها واعتماد النظام الجزائي العدلي، والذي يعتمد نظام المحاكمة وفق 3 درجات، بحسب الدكتور مخايل، إلا أنه إذا ألغى القانون الجديد التجريم الجزائي لم يعد للمحكمة دور لانها محكمة جزائية.
بدوره عضو اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل والمكلّفة درس إقتراح قانون الإعلام النائب فراس حمدان أشار الى أنه تم الاتفاق في اجتماع اللجنة في 27 آذار 2024 على مبدأ ثابت بموضوع العقوبات على الإعلاميين والصحافيين بأنه "لا سجن ضمن قانون الإعلام الجديد"، كما أنه ليس هناك من محاكم الا المحاكم المدنية في مخالفات الراي والتعبير، وعليه فإن الجُرم هو جرم مدني وليس جزائي يستتبع تعويضات مادية أو معنوية.
وبحسب حمدان، تم الاتفاق على تشكيل محكمة لمقاضاة الإعلاميين ضمن أصول موجزة، موضحًا بأن هذا المبدأ يتوافق مع حريّة الإعلام، والاجتهادات الفرنسية في ما خص حرية الرأي، "ونحن نحاول حماية الحريات العامة، وأن تكون بعيدة عن أيّة ملاحقة جزائية".
وفي السياق، أوضح نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزيف قصيفي بأن اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الادارة والعدل والمكلفة درس اقتراح قانون الإعلام تبحث موضوعات أساسية للوصول إلى مشروع شامل وكامل للإعلام، يحوي كل التطورات في الإعلام من حيث المحتوى والمضمون والتعامل مع الحريات.
ويقول قصيفي: "هناك عمل جاد للوصول الى نتيجة، ولكن من اليوم حتى يقر قانون الاعلام الجديد تبقى محكمة المطبوعات هي المرجعية".
توقيفات غير قانونية بسبب قضايا الرأي
تُعد حرية الرأي والتعبير من حقوق الإنسان الأساسية، وعليه لا يجب أن تخضع الدعاوى المتعلقة بقضايا الرأي والنشر للصحافيين والناشطين لنفس الشروط المعتمدة مع الجرائم الأخرى كالقتل والسرقة والاحتيال والقرصنة الالكترونية وغيرها، إلا أنه في لبنان يتم خرق القواعد دائمًا واستدعاء الصحافيين/ات الى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتيّة وحماية الملكيّة الفكريّة وغيرها من الجهات غير المخولة للنظر في قضايا الرأي.
وتؤكد الصحافية حياة مرشاد أن تدخل مكتب جرائم المعلوماتية في قضايا الصحافيين يدل على أن محكمة المطبوعات تخلت عن وظيفتها، وهذا أمر غير مقبول، والمطلوب اليوم مجالس عمل تحكيمية من قبل اصحاب اختصاص من داخل المهنة، ويجب أن يكون هناك جهة حيادية وليست أمنية أو قضائية تنظر بهذه القضايا". وشددت مرشاد على أنه يجب البدء من الصفر اليوم، والتعريف بأدبيات وأخلاقيات الإعلام، كما يجب تعريف دور الصحافي في البلد وما هو القدح والذم والتشهير.
وتعليقًا على توقيف الصحافيين في لبنان، اعتبر الباحث القانوني الدكتور علي مراد بأنه يتم محاكمة الصحافيين خارج إطار محكمة المطبوعات، وذلك عبر استدعاءات جزائية أو أمام المحكمة العسكرية أو القضاء العسكري الذي يمكن أن يطلب تحريك محكمة المطبوعات، أو بعض الملاحقات غير القانونية التي تحصل أمام مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية بناءً على اشارة من النيابة العامة التمييزية.
وبالتالي، فإنه من خلال الثغرات القانونية وعدم وحدة الإطار القانوني الذي ينظم عمل الصحافيين، وعدم إمكانية تنظيم مهنة الصحافة كما المهن الحرة الاخرى والتي تكون فيها عضوية النقابة شرط للعمل، جعل السلطة تستغل الأمر لممارسة شكل من الترهيب والضغط على الصحافيين، وتقييد حرية الإعلام في لبنان بالرغم من كل ما حصل في 17 تشرين الأول 2019، بحسب ما أكّد مراد.
ويضيف: "اليوم هناك تعارض بين البنية التشريعية والحقوق الدستورية"، مشددًا على أن الدستور اللبناني كرّس حرية التعبير والصحافة بصفتها حقوق دستورية، وفي ظل التجريم بقضايا التشهير واعتبارها قضايا جزائية، تم فتح الباب أمام هذا النوع من الممارسات في قمع الحرية.